للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الرَّجُلَ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الشَّاءِ وَالإِبِلِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَمْرٍ حَدَثَ بِبِلادِهِ عَجَبٌ، فَسَلْهُ عَنْهُ.

فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى هِرَقْلَ رَسُولُ صَاحِبِ بُصْرَى، قَالَ هِرَقْلُ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ، مَا كَانَ هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي كَانَ بِبِلادِهِ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ:

خَرَجَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، قَدِ اتَّبَعَهُ نَاسٌ وَصَدَّقُوهُ، وَخَالَفَهُ نَاسٌ، وَقَدْ كَانَتْ بَيْنَهُمْ مَلاحِمُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، فَتَرَكْتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ: فَلَمَّا أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ قَالَ: جَرِّدُوهُ، فَجَرَّدُوهُ، فَإِذَا هُوَ مَخْتُونٌ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي أُرِيتُ، لا ما تقولون، اعطوه ثوبه، انطلق عنا ثُمَّ دَعَا صَاحِبَ شُرْطَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: قَلِّبْ لِي الشَّامَ ظَهْرًا وَبَطْنًا، حَتَّى تَأْتِيَنِي بِرَجُلٍ من قوم هذا الرجل- يعنى النبي ص.

قال ابو سفيان: فو الله إِنَّا لبغزَّة، إِذْ هَجَمَ عَلَيْنَا صَاحِبُ شُرْطَتِهِ، فَقَالَ: أَنْتُمْ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بِالْحِجَازِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى الْمَلِكِ، فَانْطَلَقْنَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ قَالَ: أَنْتُمْ مِنْ رَهْطِ هَذَا الرَّجُلِ؟

قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَيُّكُمْ أَمَسُّ بِهِ رَحِمًا؟ قُلْتُ: أَنَا.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْ رَجُلٍ أَرَى أَنَّهُ كَانَ أَنْكَرَ مِنْ ذَلِكَ الأَغْلَفِ- يَعْنِي هِرَقْلَ- فَقَالَ: ادْنُهْ فَأَقْعَدَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَقْعَدَ أَصْحَابِي خَلْفِي، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سأسأله، فان كذب فردوا عليه، فو الله لَوْ كَذَبْتُ مَا رَدُّوا عَلِيَّ، وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً سَيِّدًا أَتَكَرَّمُ عَنِ الْكَذِبِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ أَيْسَرَ مَا فِي ذَلِكَ إِنْ أَنَا كَذَبْتُهُ أَنْ يَحْفَظُوا ذَلِكَ عَلَيَّ، ثُمَّ يُحَدِّثُوا بِهِ عَنِّي، فَلَمْ أَكْذِبْهُ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يَدَّعِي مَا يَدَّعِي! قَالَ: فَجَعَلْتُ أَزْهَدُ لَهُ شَأْنَهُ، وَأُصَغِّرْ لَهُ أَمْرَهُ، وَأَقُولُ لَهُ:

أَيُّهَا الْمَلِكُ، مَا يَهِمُّكَ مِنْ أَمْرِهِ! إِنَّ شَأْنَهُ دُونَ مَا يَبْلُغُكَ، فَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْبِئْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ مِنْ شَأْنِهِ قُلْتُ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: مَحْضُ، أَوْسَطِنَا نَسَبًا قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>