للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ فِيمَا ذُكِرَ أَنْزَلَ آدَمَ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي أَهْبَطَهُ عَلَيْهِ إِلَى سَفْحِهِ، وَمَلَّكَهُ الأَرْضَ كُلَّهَا، وَجَمِيعَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ وَالْوَحْشِ وَالطَّيْرِ وغير ذلك، وان آدم ع لَمَّا نَزَلَ مِنْ رَأْسِ ذَلِكَ الْجَبَلِ، وَفَقَدَ كَلامَ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَغَابَتْ عَنْهُ أَصْوَاتُ الْمَلائِكَةِ، وَنَظَرَ إِلَى سِعَةِ الأَرْضِ وَبَسْطَتِهَا، وَلَمْ يَرَ فِيهَا أَحَدًا غَيْرَهُ، اسْتَوْحَشَ فَقَالَ: يَا رَبِّ، أَمَا لأَرْضِكَ هَذِهِ عَامِرٌ يُسَبِّحُكَ غَيْرِي! فأجيب بما حَدَّثَنِي المثنى بن إبراهيم، قال: أخبرنا إسحاق بن الحجاج، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثنى عبد الصمد ابن معقل، أنه سمع وهبا يقول: إن آدم لما أهبط إلى الأرض فرأى سعتها ولم ير فيها أحدا غيره قال: يا رب، أما لأرضك هذه عامر يسبح بحمدك ويقدس لك غيري! قال الله: إني سأجعل فيها من ولدك من يسبح بحمدي ويقدسني، وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكري، ويسبح فيها خلقي، ويذكر فيها اسمي، وسأجعل من تلك البيوت بيتا أخصه بكرامتي، وأوثره باسمي، وأسميه بيتي، أنطقه بعظمتي، وعليه وضعت جلالي ثم أنا مع ذلك في كل شيء ومع كل شيء، أجعل ذلك البيت حرما آمنا يحرم بحرمته من حوله ومن تحته ومن فوقه، فمن حرمه بحرمتي استوجب بذلك كرامتي، ومن أخاف أهله فيه فقد أخفر ذمتي، وأباح حرمتي أجعله أول بيت وضع للناس ببطن مكة مباركا، يأتونه شعثا غبرا على كل ضامر، من كل فج عميق، يرجون بالتلبية رجيجا، ويثجون بالبكاء ثجيجا، ويعجون بالتكبير عجيجا، فمن اعتمده ولا يريد غيره فقد وفد إليَّ وزارني وضافني، وحق على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه، وأن يسعف كلا بحاجته تعمره يا آدم ما كنت حيا، ثم تعمره الأمم والقرون والأنبياء من ولدك أمة بعد أمة، وقرنا بعد قرن.

ثم أمر آدم ع- فيما ذكر- أن يأتي البيت الحرام الذي اهبط

<<  <  ج: ص:  >  >>