للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُدِّعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مَعَ مَنْ ودع من أمراء رسول الله ص بكى، فقالوا له: ما يبكيك يا بن رَوَاحَةَ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا بِي حُبُّ الدُّنْيَا، وَلا صَبَابَةٌ بِكُمْ، [وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ يَذْكُرُ فِيهَا النَّارَ: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا] » .

فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدْرِ بَعْدَ الْوُرُودِ! فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ، وَرَدَّكُمْ إِلَيْنَا صَالِحِينَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:

لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا

أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهَزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا

حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَكَ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا!

ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِلَى رَسُولِ الله ص فَوَدَّعَهُ، ثُمَّ خَرَجَ الْقَوْمُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ يُشَيِّعُهُمْ، حَتَّى إِذَا وَدَّعَهُمْ وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:

خَلَفَ السَّلامُ عَلَى امْرِئٍ وَدَّعْتُهُ ... فِي النَّخْلِ خَيْرَ مُشَيِّعٍ وَخَلِيلِ

ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى نَزَلُوا مُعَانَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَبَلَغَ النَّاسَ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَانْضَمَّتْ إِلَيْهِ الْمُسْتَعْرِبَةُ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَبَلْقَيْنَ وَبَهْرَاءَ وَبَلِيٍّ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنْهُمْ، عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَلِيٍّ، ثُمَّ أَحَدُ إِرَاشَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ رَافِلَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانٍ لَيْلَتَيْنِ، يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَقَالُوا: نَكْتُبُ إِلَى رَسُولِ الله وَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُوِّنَا، فَإِمَّا أَنْ يُمِدَّنَا بِرِجَالٍ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ فَنَمْضِيَ لَهُ فَشَجَّعَ النَّاسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَقَالَ: يَا قَوْمُ، وَاللَّهِ إِنَّ الَّذِي تَكْرَهُونَ لَلَّذِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشَّهَادَةَ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلا قُوَّةٍ وَلا كَثْرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إِلا بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا، فَإِنَّمَا هي إِحْدَى

<<  <  ج: ص:  >  >>