للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا أَقَلَّ الرُّومَ وَأَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ! إِنَّمَا تَكْثُرُ الْجُنُودُ بِالنَّصْرِ وَتَقِلُّ بِالْخِذْلانِ، لا بِعَدَدِ الرِّجَالِ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ الأَشْقَرَ بَرَاءٌ مِنْ تَوْجِيهٍ، وَأَنَّهُمْ أُضْعِفُوا فِي الْعَدَدِ- وَكَانَ فَرَسُهُ قَدْ حَفِيَ فِي مَسِيرِهِ- قَالا: فَأَمَرَ خَالِدٌ عِكْرِمَةَ والقعقاع، وكانا على مجنبى الْقَلْبِ، فَأَنْشَبَا الْقِتَالَ، وَارْتَجَزَ الْقَعْقَاعُ وَقَالَ:

يَا لَيْتَنِي أَلْقَاكَ فِي الطِّرَادِ قَبْلَ اعْتِرَامِ الْجَحْفَلِ الْوَرَّادِ وَأَنْتَ فِي حَلَبَتِكَ الْوِرَادِ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ:

قَدْ عَلِمَتْ بَهْكَنَةُ الْجَوَارِي أَنِّي عَلَى مَكْرُمَةٍ أُحَامِي فَنَشَبَ الْقِتَالُ، وَالْتَحَمَ النَّاسُ، وَتَطَارَدَ الْفِرْسَانُ، فَإِنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قَدِمَ الْبَرِيدُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَخَذَتْهُ الْخُيُولُ، وَسَأَلُوهُ الْخَبَرَ، فَلَمْ يُخْبِرْهُمْ إِلا بِسَلامَةٍ، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ أَمْدَادٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ بِمَوْتِ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَأْمِيرِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَأَبْلَغُوهُ خَالِدًا، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ أَبِي بَكْرٍ، أَسَرَّهُ إِلَيْهِ، وَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي أَخْبَرَ بِهِ الْجُنْدَ قَالَ: أَحْسَنْتَ فَقِفْ، وَأَخَذَ الْكِتَابَ وَجَعَلَهُ فِي كِنَانَتِهِ، وَخَافَ إِنْ هُوَ أَظْهَرَ ذَلِكَ أَنْ ينتشر لَهُ أَمْرُ الْجُنْدِ، فَوَقَفَ مَحْمِيَّةُ بْنُ زُنَيْمٍ مَعَ خَالِدٍ، وَهُوَ الرَّسُولُ، وَخَرَجَ جرجةُ، حَتَّى كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَنَادَى: لِيَخْرُجْ إِلَيَّ خَالِدٌ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ خَالِدٌ وَأَقَامَ أَبَا عُبَيْدَةَ مَكَانَهُ، فَوَافَقَهُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ دَابَّتَيْهِمَا، وَقَدْ أَمِنَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَقَالَ جرجةُ:

يَا خَالِدُ أَصْدِقْنِي وَلا تُكْذِبْنِي فَإِنَّ الْحُرَّ لا يَكْذِبُ وَلا تُخَادِعْنِي فَإِنَّ الْكَرِيمَ لا يُخَادِعُ الْمُسْتَرْسِلَ بِاللَّهِ، هَلْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيُّكُمْ سَيْفًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَعْطَاكَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>