بِالْمَدِينَةِ يَرْجُونَ الْغِيَاثَ، وَهِرَقلُ مِنْهُمْ قَرِيبٌ وَقَدِ اسْتَمَدُّوهُ وَذُو الْكَلاعِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ حِمْصَ على راس ليله من دمشق، كأنه يُرِيدُ حِمْصَ، وَجَاءَتْ خُيُولُ هِرَقْلَ مُغِيثَةً لأَهْلِ دِمَشْقَ، فَأَشجتْهَا الْخُيُولُ الَّتِي مَعَ ذِي الْكَلاعِ، وَشَغَلَتْهَا عَنِ النَّاسِ، فَأَرَزُوا وَنَزَلُوا بِإِزَائِهِ، وَأَهْلُ دِمَشْقَ عَلَى حَالِهِمْ.
فَلَمَّا أيَقْنَ أَهْلُ دِمَشْقَ أَنَّ الأَمْدَادَ لا تَصِلُ إِلَيْهِمْ فَشِلُوا وَوَهِنُوا وَأُبْلِسُوا وَازْدَادَ الْمُسْلِمُونَ طَمَعًا فِيهِمْ، وَقَدْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّها كَالْغَارَاتِ قَبْلَ ذَلِكَ، إِذَا هَجَمَ الْبَرْدُ قَفَلَ النَّاسُ، فَسَقَطَ النَّجْمُ وَالْقَوْمُ مُقِيمُونَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ انْقَطَعَ رَجَاؤُهُمْ، وَنَدِمُوا عَلَى دُخُولِ دِمَشْقَ، وَوُلِدَ لِلْبِطْرِيقِ الَّذِي دَخَلَ عَلَى أَهْلِ دِمَشْقَ مَوْلُودٌ، فَصَنَعَ عَلَيْهِ، فَأَكَلَ الْقَوْمُ وَشَرِبُوا، وَغَفِلُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ، وَلا يَشْعُرُ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا مَا كَانَ مِنْ خَالِدٍ، فَإِنَّهُ كَانَ لا يَنَامُ وَلا يُنِيمُ، وَلا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِهِمْ شَيْءٌ، عُيُونُهُ ذَاكِيَةٌ وَهُوَ مَعْنِيٌّ بِمَا يَلِيهِ، قَدِ اتَّخَذَ حِبَالا كَهَيْئَةِ السَّلالِيمِ وَأَوْهَاقًا فَلَمَّا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ نَهَدَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنْدِهِ الَّذِينَ قدم بهم عَلَيْهِمْ، وَتَقَدَّمَهُمْ هُوَ وَالْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَذْعُورُ بْنُ عَدِيٍّ، وَأَمْثَالُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي أَوَّلِ يَوْمِهِ، وَقَالُوا: إِذَا سَمِعْتُمْ تَكْبِيرَنَا عَلَى السُّورِ فَارْقُوا إِلَيْنَا، وَانْهَدُوا لِلْبَابِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ الْمُتَقَدِّمُونَ رَمَوْا بِالْحِبَالِ الشُّرَفَ وَعَلَى ظُهُورِهِمُ الْقِرَبُ الَّتِي قَطَعُوا بِهَا خَنْدَقِهِمْ فَلَمَّا ثَبَتَ لَهُمْ وَهْقَانِ تَسَلَّقَ فِيهِمَا الْقَعْقَاعُ وَمَذْعُورٌ، ثُمَّ لَمْ يَدَعَا أُحْبُولَةً إِلا أَثْبَتَاهَا- وَالأَوْهَاق بِالشُّرَفِ- وَكَانَ الْمَكَانُ الَّذِي اقْتَحَمُوا مِنْهُ أَحْصَنَ مَكَانٍ يُحِيطُ بِدِمَشْقَ، أَكْثَرَهُ مَاءً، وَأَشَدَّهُ مَدْخَلا، وَتَوَافَوْا لِذَلِكَ، فَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ دَخَلَ مَعَهُ أَحَدٌ إِلا رَقِيَ أَوْ دَنَا مِنَ الْبَابِ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَوْا عَلَى السُّورِ حَدَرَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ، وَانْحَدَرَ مَعَهُمْ، وَخَلَّفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute