حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْخَنَافِسِ، فَإِنَّ أَهْلَ الأَنْبَارِ سَيَضْرِبُونَ إِلَيْهَا، وَيُخْبِرُونَ عَنْكَ فَيَأْمَنُونَ، ثُمَّ تَعُوجَ عَلَى أَهْلِ الأَنْبَارِ فَتَأْخُذَ الدَّهَاقِينَ بِالأَدِلاءِ، فَتَسِيرَ سَوَادَ لَيْلَتِكَ مِنَ الأَنْبَارِ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ صُبْحًا فَتُصْبِحَهُمْ غَارَةً.
فَخَرَجَ مِنْ أُلَّيْسَ حَتَّى أَتَى الْخَنَافِسَ، ثُمَّ عَاجَ حَتَّى رَجَعَ عَلَى الأَنْبَارِ، فَلَمَّا أَحَسَّهُ صَاحِبُهَا تَحَصَّنَ وَهُوَ لا يَدْرِي مَنْ هُوَ، وَذَلِكَ لَيْلا، فَلَمَّا عَرَفَهُ نَزَلَ اليه فاطمعه الْمُثَنَّى، وَخَوَّفَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ، وَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغِيرَ فَابْعَثْ مَعِي الأَدِلاءَ إِلَى بَغْدَادَ، حَتَّى أُغِيرَ مِنْهَا إِلَى الْمَدَائِنِ قَالَ: أَنَا أَجِيءُ مَعَكَ، قَالَ: لا أُرِيدُ أَنْ تَجِيءَ مَعِي، وَلَكِنِ ابْعَثْ مَعِي مَنْ هُوَ أَدَلُّ مِنْكَ، فَزَوَّدَهُمُ الأَطْعِمَةَ وَالأَعْلافَ، وَبَعَثَ مَعَهُمُ الأَدِلَّةَ، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالنِّصْفِ، قَالَ لَهُمُ الْمُثَنَّى: كَمْ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟
قَالُوا: أَرْبَعَةُ أَوْ خَمْسَةُ فَرَاسِخَ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: مَنْ يَنْتَدِبُ لِلْحَرَسِ؟
فَانْتَدَبَ لَهُ قَوْمٌ فَقَالَ لَهُمْ: أَذْكُوا حَرَسَكُمْ، وَنَزَلَ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَقِيمُوا وَأَطْعِمُوا وَتَوَضَّئُوا وَتَهَيَّئُوا وَبَعَثَ الطَّلائِعَ فَحَبَسُوا النَّاسَ لِيَسْبِقُوا الأَخْبَارَ، فَلَمَّا فَرَغُوا أَسْرَى إِلَيْهِمْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَعَبَرَ إِلَيْهِمْ، فَصَبَحَهُمْ فِي أَسْوَاقِهِمْ، فَوَضَعَ فِيهِمُ السَّيْفَ فَقَتَلَ، وَأَخَذُوا مَا شَاءُوا، وَقَالَ الْمُثَنَّى: لا تَأْخُذُوا إِلا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَلا تَأْخُذُوا مِنَ الْمَتَاعِ إِلا مَا يَقْدِرُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى دَابَّتِهِ.
وَهَرَبَ أَهْلُ الأَسْوَاقِ، وَمَلأَ الْمُسْلِمُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنَ الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحُرِّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَرَجَ كَارًّا حَتَّى نَزَلَ بِنَهْرِ السَّيلَحِينِ بِالأَنْبَارِ، فَنَزَلَ وَخَطَبَ النَّاسَ، وقال: ايها الناس، انزلوا وقضوا أَوْطَارَكُمْ، وَتَأَهَّبُوا لِلسَّيْرِ، وَاحْمَدُوا اللَّهَ وَسَلُوهُ الْعَافِيَةَ، ثُمَّ انْكَشَفُوا قَبِيضًا.
فَفَعَلُوا، فَسَمِعَ هَمْسًا فِيمَا بَيْنَهُمْ: مَا أَسْرَعَ الْقَوْمَ فِي طَلَبِنَا! فَقَالَ: تَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، انْظُرُوا فِي الأُمُورِ وَقَدِّرُوهَا ثُمَّ تَكَلَّمُوا، أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغِ النَّذِيرُ مَدِينَتَهُمْ بَعْدُ، وَلَوْ بَلَغَهُمْ لَحَالَ الرُّعْبُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ طَلَبِكُمْ إِنَّ لِلْغَارَاتِ رَوَعَاتٌ تَنْتَشِرُ عَلَيْهَا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، وَلَوْ طَلَبَكُمُ الْمُحَامُونَ مِنْ رَأْيِ الْعَيْنِ مَا أَدْرَكُوكُمْ، وَأَنْتُمْ عَلَى الْعَرابِ حَتَّى تَنْتَهُوا إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute