لما كان يوم السكر، لبس رستم درعين ومغفرا وأخذ سلاحه، وأمر بفرسه فأسرج، فأتي به فوثب، فإذا هو عليه لم يمسه ولم يضع رجله في الركاب، ثم قال: غدا ندقهم دقا، فقال له رجل: إن شاء اللَّه، فقال:
وإن لم يشأ! كَتَبَ إلي السري بن يحيى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم، قالوا: قال رستم: إنما ضغا الثعلب حين مات الأسد- يذكرهم موت كسرى- ثم قال لأصحابه: قد خشيت أن تكون هذه سنة القرود ولما عبر أهل فارس أخذوا مصافهم، وجلس رستم على سريره وضرب عليه طيارة، وعبى في القلب ثمانية عشر فيلا، عليها الصناديق والرجال، وفي المجنبتين ثمانية وسبعة، عليها الصناديق والرجال، وأقام الجالنوس بينه وبين ميمنته والبيرزان بينه وبين ميسرته، وبقيت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين وخيول المشركين، وكان يزدجرد وضع رجلا على باب إيوانه، إذ سرح رستم، وأمره بلزومه وإخباره، وآخر حيث يسمعه من الدار، وآخر خارج الدار، وكذلك على كل دعوة رجلا، فلما نزل رستم، قال الذي بساباط: قد نزل، فقاله الآخر حتى قاله الذي على باب الإيوان، وجعل بين كل مرحلتين على كل دعوة رجلا، فكلما نزل وارتحل أو حدث أمر قاله، فقاله الذي يليه، حتى يقوله الذي يلي باب الإيوان، فنظم ما بين العتيق والمدائن رجالا، وترك البرد، وكان ذلك هو الشأن.
وأخذ المسلمون مصافهم، وجعل زهرة وعاصم بين عبد اللَّه وشرحبيل، ووكل صاحب الطلائع بالطراد، وخلط بين الناس في القلب والمجنبات، ونادى مناديه: ألا إن الحسد لا يحل إلا على الجهاد في أمر اللَّه يا أيها الناس، فتحاسدوا وتغايروا على الجهاد وكان سعد يومئذ لا يستطيع أن يركب ولا يجلس، به حبون، فإنما هو على وجهه في صدره وسادة، هو مكب عليها، مشرف على الناس من القصر، يرمي بالرقاع فيها أمره ونهيه،