يتواصون فيما بينهم، ويقولون: تمسكوا فإنهم حفاة، فإذا أصابهم البرد تقطعت أقدامهم مع ما يأكلون ويشربون، فكانت الروم تراجع، وقد سقطت أقدام بعضهم في خفافهم، وإن المسلمين في النعال ما أصيب أصبع أحد منهم، حتى إذا انخنس الشتاء، قام فيهم شيخ لهم يدعوهم إلى مصالحة المسلمين قالوا: كيف والملك في سلطانه وعزه، ليس بيننا وبينهم شيء! فتركهم، وقام فيهم آخر فقال: ذهب الشتاء، وانقطع الرجاء، فما تنتظرون؟
فقالوا: البرسام، فإنما يسكن في الشتاء ويظهر في الصيف، فقال: إن هؤلاء قوم يعانون، ولأن تأتوهم بعهد وميثاق، خير من أن تؤخذوا عنوة، أجيبوني محمودين قبل أن تجيبوني مذمومين! فقالوا: شيخ خرف، ولا علم له بالحرب.
وعن أشياخ من غسان وبلقين، قالوا: أثاب اللَّه المسلمين على صبرهم أيام حمص أن زلزل بأهل حمص، وذلك أن المسلمين ناهدوهم، فكبروا تكبيرة زلزلت معها الروم في المدينة، وتصدعت الحيطان، ففزعوا إلى رؤسائهم وذوي رأيهم، فقالوا: ألا ترون إلى عذاب اللَّه! فأجابوهم: لا يطلب الصلح غيركم، فأشرفوا فنادوا: الصلح الصلح! ولا يشعر المسلمون بما حدث فيهم، فأجابوهم وقبلوا منهم على أنصاف دورهم، وعلى أن يترك المسلمون أموال الروم وبنيانهم، لا ينزلونه عليهم، فتركوه لهم، فصالح بعضهم على صلح دمشق على دينار وطعام، على كل جريب أبدا أيسروا أو أعسروا وصالح بعضهم على قدر طاقته، إن زاد ماله زيد عليه، وإن نقص نقص، وكذلك كان صلح دمشق والأردن، بعضهم على شيء إن أيسروا وإن أعسروا، وبعضهم على قدر طاقته، وولوا معاملة ما جلا ملوكهم عنه.
وبعث أبو عبيدة السمط بْن الأسود في بني معاوية، والأشعث بْن مئناس في السكون، معه ابن عابس، والمقداد في بلى، وبلالا وخالدا في الجيش، والصباح