نزل الهرمزان رامهرمز وضاقت عليه الأهواز والمسلمون حلال فيها فيما بين يديه، طلب الصلح، وراسل حرقوصا وجزءا في ذلك، فكتب فيه حرقوص إلى عمر، فكتب إليه عمر وإلى عتبة، يأمره أن يقبل منه على ما لم يفتحوا منها على رامهرمز وتستر والسوس وجندي سابور، والبنيان ومهرجانقذق، فأجابهم إلى ذلك، فأقام أمراء الأهواز على ما أسند إليهم، وأقام الهرمزان على صلحة يجبى إليهم ويمنعونه، وإن غاوره أكراد فارس أعانوه وذبوا عنه.
وكتب عمر إلى عتبة أن أوفد علي وفدا من صلحاء جند البصرة عشرة، فوفد إلى عمر عشرة، فيهم الأحنف فلما قدم على عمر قال: إنك عندي مصدق، وقد رايتك رجلا، فأخبرني اان ظلمت الذمة، ألمظلمة نفروا أم لغير ذلك؟ فقال: لا بل لغير مظلمة، والناس على ما تحب قال:
فنعم إذا! انصرفوا إلى رحالكم فانصرف الوفد إلى رحالهم، فنظر في ثيابهم فوجد ثوبا قد خرج طرفه من عيبة فشمه، ثم قال: لمن هذا الثوب منكم؟
قال الأحنف: لي، قال: فبكم أخذته؟ فذكر ثمنا يسيرا، ثمانية أو نحوها، ونقص مما كان أخذه به- وكان قد أخذه باثني عشر- قال: فهلا بدون هذا، ووضعت فضلته موضعا تغني به مسلما! حصوا وضعوا الفضول مواضعها تريحوا أنفسكم وأموالكم، ولا تسرفوا فتخسروا أنفسكم وأموالكم، إن نظر امرؤ لنفسه وقدم لها يخلف له وكتب عمر إلى عتبة أن أعزب الناس عن الظلم، واتقوا واحذروا أن يدال عليكم لغدر يكون منكم أو بغي، فإنكم إنما أدركتم بالله ما أدركتم على عهد عاهدكم عليه، وقد تقدم إليكم فيما أخذ عليكم.
فأوفوا بعهد اللَّه، وقوموا على أمره يكن لكم عونا وناصرا.
وبلغ عمر أن حرقوصا نزل جبل الأهواز والناس يختلفون إليه، والجبل كئود يشق على من رامه فكتب إليه: بلغني أنك نزلت منزلا كئودا لا تؤتى فيه إلا على مشقة، فأسهل ولا تشق على مسلم ولا معاهد، وقم في أمرك على رجل تدرك الآخرة وتصف لك الدنيا، ولا تدركنك فترة ولا عجلة، فتكدر دنياك، وتذهب آخرتك