فحاصروهم أشهرا، وأكثروا فيهم القتل وقتل البراء بْن مالك فيما بين أول ذلك الحصار إلى أن فتح اللَّه على المسلمين مائة مبارز، سوى من قتل في غير ذلك، وقتل مجزأة بْن ثور مثل ذلك، وقتل كعب بْن سور مثل ذلك، وقتل أبو تميمة مثل ذلك في عدة من أهل البصرة وفي الكوفيين مثل ذلك، منهم حبيب بْن قرة، وربعي بْن عامر، وعامر بْن عبد الأسود- وكان من الرؤساء- في ذلك ما ازدادوا به إلى ما كان منهم، وزاحفهم المشركون في أيام تستر ثمانين زحفا في حصارهم، يكون عليهم مرة ولهم أخرى، حتى إذا كان في آخر زحف منها واشتد القتال قال المسلمون: يا براء، أقسم على ربك ليهزمنهم لنا! فقال: اللهم اهزمهم لنا، واستشهدني.
قال: فهزموهم حتى أدخلوهم خنادقهم، ثم اقتحموها عليهم، وأرزوا إلى مدينتهم، وأحاطوا بها، فبيناهم على ذلك وقد ضاقت بهم المدينة، وطالت حربهم، خرج إلى النعمان رجل فاستأمنه على أن يدله على مدخل يؤتون منه، ورمى في ناحية أبي موسى بسهم فقال: قد وثقت بكم وأمنتكم واستأمنتكم على أن دللتكم على ما تأتون منه المدينة، ويكون منه فتحها، فآمنوه في نشابة فرمى إليهم بآخر، وقال: انهدوا من قبل مخرج الماء، فإنكم ستفتحونها، فاستشار في ذلك وندب إليه، فانتدب له عامر بْن عبد قيس، وكعب بْن سور، ومجزأة بْن ثور، وحسكة الحبطي، وبشر كثير، فنهدوا لذلك المكان ليلا، وقد ندب النعمان أصحابه حين جاءه الرجل، فانتدب له سويد بْن المثعبة، وورقاء بْن الحارث، وبشر بن ربيعه الخثعمى، ونافع ابن زيد الحميري، وعبد اللَّه بْن بشر الهلالي، فنهدوا في بشر كثير، فالتقوا هم وأهل البصرة على ذلك المخرج، وقد انسرب سويد وعبد اللَّه بْن بشر، فأتبعهم هؤلاء وهؤلاء، حتى إذا اجتمعوا فيها- والناس على رجل من خارج- كبروا فيها، وكبر المسلمون من خارج، وفتحت الأبواب، فاجتلدوا فيها، فأناموا كل مقاتل، وأرز الهرمزان إلى القلعة، وأطاف به الذين دخلوا من مخرج الماء، فلما عاينوه وأقبلوا قبله قال لهم: ما شئتم!