ثم تسير أنت بأهل هذين الحرمين إلى المصرين: الكوفة والبصرة، فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين، فإنك إذا سرت بمن معك وعندك قل في نفسك ما قد تكاثر من عدد القوم، وكنت أعز عزا وأكثر، يا أمير المؤمنين إنك لا تستبقي من نفسك بعد العرب باقيه، ولا تمتع من الدنيا بعزيز، ولا تلوذ منها بحريز، إن هذا اليوم له ما بعده من الأيام، فاشهده برأيك وأعوانك ولا تغب عنه ثم جلس.
فعاد عمر، فقال: إن هذا يوم له ما بعده من الأيام، فتكلموا، [فقام علي بْن أبي طالب فقال: أما بعد يا أمير المؤمنين، فإنك إن أشخصت أهل الشام من شأمهم سارت الروم إلى ذراريهم، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، وإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك الأرض من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والعيالات، أقرر هؤلاء في أمصارهم، واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا فيها ثلاث فرق، فلتقم فرقة لهم في حرمهم وذراريهم، ولتقم فرقة في أهل عهدهم، لئلا ينتقضوا عليهم، ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددا لهم، إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا قالوا: هذا أمير العرب، وأصل العرب، فكان ذلك أشد لكلبهم، وألبتهم على نفسك وأما ما ذكرت من مسير القوم فإن اللَّه هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأما ما ذكرت من عددهم، فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، ولكنا كنا نقاتل بالنصر] .
فقال عمر: أجل والله، لئن شخصت من البلدة لتنتقضن علي الأرض من أطرافها وأكنافها، ولئن نظرت إلي الأعاجم لا يفارقن العرصة، وليمدنهم من لم يمدهم، وليقولن: هذا أصل العرب، فإذا