الْعِلْفَ وَسَمِعَهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ، يَقُولُ: ما صحبت قوما قط الا آثرتهم، وو الله مَا مَنَعَنِي أَنْ أُكَذِّبَ شُهُودَ الْبَصْرَةِ إِلا صُحْبَتُهُمْ، وَلَئِنْ صَحِبْتُكُمْ لأَمْنَحَنَّكُمْ خَيْرًا فَقَالَ الْوَلِيدُ: مَا ذَهَبَ بِأَرْضِنَا غَيْرُكَ، وَلا جَرَمَ لا تَعْمَلْ عَلَيْنَا فَخَرَجَ وَخَرَجَ مَعَهُ نَفَرٌ، فَقَالُوا: لا حَاجَةَ لَنَا فِي أَبِي مُوسَى، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا: غُلامٌ لَهُ يَتْجَرُ فِي حَشْرِنَا فَعَزَلَهُ عَنْهُمْ وَصَرَفَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَصَرَفَ عُمَرَ بْنَ سُرَاقَةَ إِلَى الْجَزِيرَةِ وَقَالَ لأَصْحَابِ أَبِي مُوسَى الَّذِينَ شَخَصُوا فِي عَزْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: أَقَوِيٌّ مُشَدِّدٌ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمْ ضَعِيفٌ مُؤْمِنٌ؟ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ شَيْئًا، فَتَنَحَّى، فَخَلا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَنَامَ فَأَتَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَكَلأَهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلا مِنْ عَظِيمٍ، فَهَلْ نَابَكَ مِنْ نَائِبٍ؟ قَالَ: وَأَيُّ نَائِبٍ أَعْظَمَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ لا يَرْضَوْنَ عَنْ أَمِيرٍ، وَلا يَرْضَى عَنْهُمْ أَمِيرٌ! وَقَالَ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ.
وَاخْتَطَّتِ الْكُوفَةُ حِينَ اخْتَطَّتْ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، وَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: شَأْنِي أَهْلُ الْكُوفَةِ قَدْ عَضِلُوا بِي.
وَأَعَادَ عليهم عمر المشورة التي استشار فيها، فَأَجَابَهُ الْمُغِيرَةُ فَقَالَ: أَمَّا الضَّعِيفُ الْمُسْلِمُ فَضَعْفُهُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَفَضْلُهُ لَهُ، وَأَمَّا الْقَوِيُّ الْمُشَدِّدُ فَقُوَّتُهُ لَكَ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَشِدَادُهُ عَلَيْهِ وَلَهُ فَبَعَثَهُ عَلَيْهِمْ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ عُمَرَ قَالَ قَبْلَ أَنِ اسْتَعْمَلَ الْمُغِيرَةَ: مَا تَقُولُونَ فِي تَوْلِيَةِ رَجُلٍ ضَعِيفٍ مُسْلِمٍ أَوْ رَجُلٍ قَوِيٍّ مُشَدِّدٍ؟ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَمَّا الضَّعِيفُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّ إِسْلامَهُ لنِفَسْهِ وَضَعْفَهُ عَلَيْكَ، وَأَمَّا الْقَوِيُّ الْمُشَدِّدُ فَإِنَّ شِدَادَهُ لِنَفْسِهِ وَقُوَّتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ: فَإِنَّا بَاعِثُوكَ يَا مُغِيرَةُ فَكَانَ الْمُغِيرَةُ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ سَنَتَيْنِ وَزِيَادَةٍ فَلَمَّا وَدَّعَهُ الْمُغِيرَةُ لِلذَّهَابِ إِلَى الْكُوفَةِ، قَالَ لَهُ: يَا مُغِيرَةُ لِيَأْمَنْكَ الأَبْرَارُ، وَلْيَخَفْكَ الْفُجَّارُ.
ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَبْعَثَ سَعْدًا عَلَى عَمَلِ الْمُغِيرَةِ فَقُتِلَ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ، فَأَوْصَى بِهِ، وَكَانَ مِنْ سُنَّةِ عُمَرَ وَسِيرَتِهِ أَنْ يَأْخُذَ عُمَّالَهُ بِمُوَافَاةِ الْحَجِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute