قَالَ: وَكَمْ خَرَاجُكَ؟ قَالَ: دِرْهَمَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، قَالَ: وَأَيْشِ صِنَاعَتُكَ؟
قَالَ: نَجَّارٌ، نَقَّاشٌ، حَدَّادٌ، قَالَ: فَمَا أَرَى خَرَاجَكَ بِكَثِيرٍ عَلَى مَا تَصْنَعُ مِنَ الأَعْمَالِ، قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تقول: لو اردت ان اعمل رحا تَطْحَنُ بِالرِّيحِ فَعَلْتُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاعْمَلْ لي رحا، قال: لئن سلمت لاعملن لك رحا يَتَحَدَّثُ بِهَا مَنْ بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَقَدْ تَوَعَّدَنِيَ الْعَبْدُ آنِفًا! قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ عُمَرُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَهُ كَعْبُ الأَحْبَارِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اعْهَدْ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ:
أَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْرَاةِ، قَالَ عُمَرُ: آللَّهِ انك لتجد عمر ابن الْخَطَّابِ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لا، وَلَكِنِّي أَجِدُ صِفَتَكَ وَحِلْيَتَكَ، وَأَنَّهُ قَدْ فَنَى أَجَلُكَ- قَالَ: وَعُمَرُ لا يُحِسُّ وَجَعًا وَلا أَلَمًا- فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَهُ كَعْبٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ذَهَبَ يَوْمٌ وَبَقِيَ يَوْمَانِ، قَالَ:
ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ غَدِ الْغَدِ، فَقَالَ: ذَهَبَ يَوْمَانِ وَبَقِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَهِيَ لَكَ إِلَى صَبِيحَتِهَا قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ خَرَجَ عُمَرُ إِلَى الصَّلاةِ، وَكَانَ يُوَكِّلُ بِالصُّفُوفِ رِجَالا، فَإِذَا اسْتَوَتْ جَاءَ هُوَ فَكَبَّرَ قَالَ: وَدَخَلَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ فِي النَّاسِ، فِي يَدِهِ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ، فَضَرَبَ عُمَرَ سِتَّ ضَرَبَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَهِيَ الَّتِي قتلته، وقتل معه كليب ابن أَبِي الْبُكَيْرِ اللَّيْثِيَّ- وَكَانَ خَلْفَهُ- فَلَمَّا وَجَدَ عُمَرَ حُرَّ السِّلاحِ سَقَطَ، وَقَالَ: أَفِي النَّاسِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هُوَ ذَا، قَالَ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَ: فَصَلَّى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعُمَرُ طَرِيحٌ، ثُمَّ احْتُمِلَ فَأُدْخِلَ دَارَهُ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَقَالَ:
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْهَدَ إِلَيْكَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَعَمْ، إِنْ أَشَرْتَ عَلَيَّ قَبِلْتُ مِنْكَ، قَالَ: وَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ، أَتُشِيرُ عَلَيَّ بِذَلِكَ؟
قَالَ: اللَّهُمَّ لا، قَالَ: وَاللَّهِ لا أَدْخُلُ فِيهِ أَبَدًا، قَالَ: فَهَبْ لِي صَمْتًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute