فَإِنْ كَانَتْ حَقًّا فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُزِيلَ مَنْزِلَتِي مِنْكَ، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلا فَمِثْلِي أَمَاطَ الْبَاطِلَ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: إِنَّمَا صَرَفُوهَا عَنَّا حَسَدًا وَظُلْمًا! فَقُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: ظُلْمًا، فَقَدْ تَبَيَّنَ لِلْجَاهِلِ وَالْحَلِيمِ، وَأَمَّا قَوْلُكَ: حَسَدًا، فَإِنَّ إِبْلِيسَ حَسَدَ آدَمَ، فَنَحْنُ وَلَدُهُ الْمَحْسُودُونَ، فَقَالَ عُمَرُ: هَيْهَاتَ! أَبَتْ وَاللَّهِ قُلُوبُكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ إِلا حَسَدًا مَا يُحَوَّلُ، وَضِغْنًا وَغِشًّا مَا يَزُولُ فَقُلْتُ: مَهْلا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لا تَصِفْ قُلُوبَ قَوْمٍ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً بِالْحَسَدِ وَالْغِشِّ، فَإِنَّ قَلْبَ رسول الله ص مِنْ قُلُوبِ بَنِي هَاشِمٍ فَقَالَ عُمَرُ: إِلَيْكَ عنى يا بن عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: أَفْعَلُ، فَلَمَّا ذَهَبْتُ لأَقُومَ اسْتَحْيَا منى فقال: يا بن عباس، مكانك، فو الله إِنِّي لَرَاعٍ لِحَقِّكَ، مُحِبٌّ لِمَا سَرَّكَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لِي عَلَيْكَ حَقًّا وعلى كل مسلم، فمن حفظه فحفظه أَصَابَ، وَمَنْ أَضَاعَهُ فَحَظُّهُ أَخْطَأَ.
ثُمَّ قَامَ فمضى.
حدثنى احمد بن عمرو، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي السُّوقِ وَمَعَهُ الدِّرَّةُ، فَخَفَقَنِي بِهَا خَفْقَةً، فَأَصَابَ طَرَفَ ثَوْبِي، فَقَالَ: أَمِطْ عَنِ الطَّرِيقِ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ لَقِيَنِي فَقَالَ: يَا سَلَمَةُ، تُرِيدَ الْحَجَّ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي الى منزله فأعطاني ستمائه دِرْهَمٍ، وَقَالَ: اسْتَعِنْ بِهَا عَلَى حَجِّكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهَا بِالْخَفْقَةِ الَّتِي خَفَقْتُكَ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا ذَكَرْتُهَا! قَالَ: وَأَنَا مَا نَسِيتُهَا.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابن أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّهَا الرَّعِيَّةُ: إِنَّ لَنَا عَلَيْكُمْ حَقًّا النَّصِيحَةَ بِالْغَيْبِ، وَالْمُعَاوَنَةَ عَلَى الْخَيْرِ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حِلْمٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَلا أَعَمَّ نَفْعًا مِنْ حِلْمِ إِمَامٍ وَرِفْقِهِ أَيُّهَا الرَّعِيَّةُ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جَهْلٍ أَبْغَضَ إِلَى اللَّهِ وَلا أَعَمَّ شَرًّا مِنْ جَهْلِ إِمَامٍ وَخُرْقِهِ أَيُّهَا الرَّعِيَّةُ، إِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُ بِالْعَافِيَةِ لِمَنْ بَيْنَ ظهرانيه، يؤتى اللَّهُ الْعَافِيَةَ مِنْ فَوْقِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute