فَخَرَجُوا حَتَّى قَطَعُوا مِصْرَ، فَلَمَّا وَغَلُوا فِي أَرْضِ إِفْرِيقِيَّةَ فَأَمْعَنُوا انْتَهَوْا إِلَى الأجل، وَمَعَهُ الأَفْنَاءُ، فَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ الأجل، قَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ وَفَتَحَ إِفْرِيقِيَّةَ سَهْلَهَا وَجَبَلَهَا ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى الإِسْلامِ، وَحَسُنَتْ طَاعَتُهُمْ، وَقَسَمَ عَبْدُ اللَّهِ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَلَى الْجُنْدِ، وَأَخَذَ خُمُسَ الْخُمُسِ، وَبَعَثَ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ إِلَى عُثْمَانَ مَعَ ابْنِ وَثِيمَةَ النَّصْرِيِّ، وَضَرَبَ فُسْطَاطًا فِي مَوْضِعِ الْقَيْرَوَانِ، وَوَفَدَ وَفْدًا، فَشَكَوْا عَبْدَ اللَّهِ فِيمَا أَخَذَ، فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا نَفَلْتُهُ- وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ- وَقَدْ أَمَرْتُ لَهُ بِذَلِكَ، وَذَاكَ إِلَيْكُمُ الآنَ، فَإِنْ رَضِيتُمْ فَقَدْ جَازَ، وَإِنْ سَخِطْتُمْ فَهُوَ رَدٌّ قَالُوا: فَإِنَّا نَسْخَطُهُ، قَالَ: فَهُوَ رَدٌّ، وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بِرَدِّ ذَلِكَ وَاسْتِصْلاحِهِمْ، قَالُوا: فَاعْزِلْهُ عَنَّا، فَإِنَّا لا نُرِيدُ أَنْ يَتْأَمَّرَ عَلَيْنَا، وَقَدْ وَقَعَ مَا وَقَعَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ اسْتَخْلِفْ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ رَجُلا مِمَّنْ تَرْضَى وَيَرْضَوْنَ وَاقْسِمِ الْخُمُسَ الَّذِي كُنْتُ نَفَلْتُكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَخِطُوا النَّفْلَ.
فَفَعَلَ، وَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ إِلَى مِصْرَ وَقَدْ فَتَحَ إِفْرِيقِيَّةَ، وَقَتَلَ الأجل.
فَمَا زَالُوا مِنْ أَسْمَعِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ وَأَطْوَعِهِمْ إِلَى زَمَانِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَحْسَنَ أُمَّةً سَلامًا وَطَاعَةً، حَتَّى دَبَّ اليهم أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَلَمَّا دَبَّ إِلَيْهِمْ دُعَاةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَاسْتَثَارُوهُمْ، شَقُّوا عَصَاهُمْ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمْ إِلَى الْيَوْمِ وَكَانَ مِنْ سَبَبِ تَفْرِيقِهِمْ أَنَّهُمْ رَدُّوا عَلَى أَهْلِ الأَهْوَاءِ، فَقَالُوا: إِنَّا لا نُخَالِفُ الأَئِمَّةَ بِمَا تَجْنِي الْعُمَّالُ، وَلا نَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّمَا يَعْمَلُ هَؤُلاءِ بِأَمْرِ أُولَئِكَ، فَقَالُوا لَهُمْ: لا نَقْبَلُ ذَلِكَ حَتَّى نُبَوِّرَهُمْ، فَخَرَجَ مَيْسَرَةُ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ إِنْسَانًا حَتَّى يَقْدُمَ عَلَى هِشَامٍ، فَطَلَبُوا الإِذْنَ، فَصَعُبَ عَلَيْهِمْ، فَأَتَوُا الأَبْرَشَ، فَقَالُوا: أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَمِيرَنَا يَغْزُو بِنَا وَبِجُنْدِهِ، فَإِذَا أَصَابَ نَفَلَهُمْ دُونَنَا وَقَالَ: هُمْ أَحَقُّ بِهِ، فَقُلْنَا: هُوَ أَخْلَصُ لِجِهَادِنَا، لأَنَّا لا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، إِنْ كَانَ لَنَا فَهُمْ مِنْهُ فِي حِلٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا لَمْ نُرِدْهُ وَقَالُوا: إِذَا حَاصَرْنَا مَدِينَةً قَالَ: تَقَدَّمُوا وَأَخَّرَ جُنْدَهُ، فَقُلْنَا: تَقَدَّمُوا، فَإِنَّهُ ازْدِيَادٌ فِي الْجِهَادِ، وَمِثْلُكُمْ كَفَى إِخْوَانَهُ، فَوَقَيْنَاهُمْ بِأَنْفُسِنَا وَكَفَيْنَاهُمْ ثُمَّ إِنَّهُمْ عَمِدُوا إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute