الْخَوْفِ، وَهُمْ يَقْتَتِلُونَ، وَضَرَبَ يَوْمَئِذٍ سَعِيدٌ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَخَرَجَ السَّيْفُ مِنْ تَحْتِ مِرْفَقِهِ، وَحَاصَرَهُمْ، فَسَأَلُوا الأَمَانَ، فَأَعْطَاهُمْ عَلَى أَلا يَقْتُلَ مِنْهُمْ رَجُلا وَاحِدًا، فَفَتَحُوا الْحِصْنَ، فَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا إِلا رَجُلا وَاحِدًا، وَحَوَى مَا كَانَ فِي الْحِصْنِ، فَأَصَابَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي نَهْدٍ سَفَطًا عَلَيْهِ قُفْلٌ، فَظَنَّ فِيهِ جَوْهَرًا، وَبَلَغَ سَعِيدًا، فَبَعَثَ إِلَى النَّهْدِيِّ، فَأَتَاهُ بِالسَّفَطِ، فَكَسَرُوا قُفْلَهُ، فَوَجَدُوا فِيهِ سَفَطًا، فَفَتَحُوهُ، فَإِذَا فِيهِ خِرْقَةٌ سَوْدَاءُ مُدْرَجَةٌ فَنَشَرُوهَا، فَوَجَدُوا خِرْقَةً حَمْرَاءَ فَنَشَرُوهَا، فَإِذَا خِرْقَةٌ صَفْرَاءُ، وَفِيهَا أَيْرَانِ: كُمَيْتٍ وَوَرْدٍ، فَقَالَ شَاعِرٌ يَهْجُو بَنِي نَهْدٍ:
آبَ الْكِرَامُ بِالسَّبَايَا غَنِيمَةً ... وَفَازَ بَنُو نَهْدٍ بِأَيْرَيْنِ فِي سَفَطْ
كُمَيْتٍ وَوَرْدٍ وَافِرَيْنِ كِلاهُمَا ... فَظَنُّوهُمَا غُنْمًا فَنَاهِيكَ مِنْ غَلَطْ!
وَفَتَحَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ نَامِيَةَ، وَلَيْسَتْ بِمَدِينَةٍ، هِيَ صَحَارَى.
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ حَنَشِ بْنِ مَالِكٍ التَّغْلِبِيِّ، قَالَ: غَزَا سَعِيدٌ سَنَةَ ثَلاثِينَ، فَأَتَى جُرْجَانَ وَطَبَرِسْتَانَ، مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَحَدَّثَنِي عِلْجٌ كَانَ يَخْدُمُهُمْ قال: كنت أتيتهم بِالسُّفْرَةِ، فَإِذَا أَكَلُوا أَمَرُونِي فَنَفَضْتُهَا وَعَلَّقْتُهَا، فَإِذَا أَمْسَوْا أَعْطُونِي بَاقِيَةً قَالَ: وَهَلَكَ مَعَ سَعِيدِ بن العاص محمد بن الحكم ابن أَبِي عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ، جَدُّ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ يُوسُفُ لِقَحْذَمٍ: يَا قَحْذَمُ، أَتَدْرِي أَيْنَ مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ، اسْتُشْهِدَ مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِطَبَرِسْتَانَ، قَالَ: لا، مَاتَ بِهَا وَهُوَ مَعَ سَعِيدٍ، ثُمَّ قَفَلَ سَعِيدٌ إِلَى الْكُوفَةِ، فَمَدَحَهُ كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ، فَقَالَ:
فَنِعْمَ الْفَتَى إِذْ جَالَ جَيْلانُ دُونَهُ ... وَإِذْ هَبَطُوا مِنْ دَسْتَبَى ثُمَّ أَبْهَرَا
تَعَلَّمْ سَعِيدُ الْخَيْرِ أَنَّ مَطِيَّتِي ... إِذَا هَبَطَتْ أَشْفَقْتُ مِنْ أَنْ تُعَقَّرَا
كَأَنَّكَ يَوْمَ الشِّعْبِ لَيْثُ خَفِيَّةٍ ... تَحَرَّدَ مِنْ لَيْثِ الْعَرِينِ وَأَصْحَرَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute