وَكَانَ عَمَلُهُ كُلُّهُ خُفْيَةً- فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ بِذَلِكَ، فَأَلْحَقَهُ بِمُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ وَافَقَهُ وَعِنْدَهُ ثَرِيدَةٌ فَأَكَلَ أَكْلا غَرِيبًا، فَعَرَفَ أَنَّ الرَّجُلَ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يا هذا، هل تدرى فيم أُخْرِجْتَ؟ قَالَ: لا، قَالَ: أُبْلِغَ الْخَلِيفَةُ أَنَّكَ لا تَأْكُلُ اللَّحْمَ، وَرَأَيْتُكَ وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ كُذِبَ عَلَيْكَ، وَأَنَّكَ لا تَرَى التَّزْوِيجَ، وَلا تَشْهَدُ الْجُمُعَةَ، قَالَ: أَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِنِّي أَشْهَدُهَا فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَرْجِعُ فِي أَوَائِلِ النَّاسِ، وَأَمَّا التَّزْوِيجُ فَإِنِّي خَرَجْتُ وَأَنَا يُخْطَبُ عَلَيَّ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَقَدْ رَأَيْتَ، وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً لا آكُلُ ذَبَائِحَ الْقَصَّابِينَ مُنْذُ رَأَيْتُ قَصَّابًا يَجُرُّ شَاةً إِلَى مَذْبَحِهَا، ثُمَّ وَضَعَ السِّكِّينَ عَلَى مَذْبَحِهَا، فَمَا زَالَ يَقُولُ: النِّفَاقَ النِّفَاقَ، حَتَّى وَجَبَتْ قَالَ:
فَارْجِعْ، قَالَ: لا أَرْجِعُ إِلَى بَلَدٍ اسْتَحَلَّ أَهْلُهُ مِنِّي مَا اسْتَحَلُّوا وَلَكِنِّي أُقِيمُ بِهَذَا الْبَلَدِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ لِي وَكَانَ يَكُونُ فِي السَّوَاحِلِ، وَكَانَ يَلْقَى مُعَاوِيَةَ، فَيُكْثِرُ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَقُولَ: حَاجَتُكَ؟ فَيَقُولُ: لا حَاجَةَ لِي، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ، قَالَ: تَرُدُّ عَلَيَّ مِنْ حَرِّ الْبَصْرَةِ لَعَلَّ الصَّوْمَ أَنْ يَشْتَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَخْفَ عَلَيَّ فِي بِلادِكُمْ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عُثْمَانَ، قَالا: لَمَّا قَدِمَ مسيرة أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، أَنْزَلَهُمْ دَارًا، ثُمَّ خَلا بِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ: لَمْ تُؤْتَوْا إِلا مِنَ الْحُمْقِ، وَاللَّهِ مَا أَرَى مَنْطِقًا سَدِيدًا، وَلا عُذْرًا مُبِينًا، وَلا حِلْمًا وَلا قُوَّةً، وَإِنَّكَ يَا صَعْصَعَةُ لأَحْمَقُهُمْ، اصْنَعُوا وَقُولُوا مَا شِئْتُمْ مَا لَمْ تَدَّعُوا شَيْئًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُحْتَمَلُ لَكُمْ إِلا مَعْصِيَتَهُ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَأَنْتُمْ أُمَرَاءُ أَنْفُسِكُمْ فَرَآهُمْ بَعْدُ وَهُمْ يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، وَيَقِفُونَ مَعَ قَاصِّ الْجَمَاعَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ يَوْمًا وَبَعْضُهُمْ يُقْرِئُ بَعْضًا، فَقَالَ: إِنَّ فِي هَذَا لَخَلَفًا مِمَّا قَدِمْتُمْ بِهِ عَلَيَّ مِنَ النِّزَاعِ إِلَى أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، اذْهَبُوا حَيْثُ شِئْتُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنْ لَزِمْتُمْ جَمَاعَتَكُمْ سَعِدْتُمْ بِذَلِكَ دُونَهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَلْزَمُوهَا شَقِيتُمْ بِذَلِكَ دُونَهُمْ، وَلَمْ تَضُرُّوا أَحَدًا، فَجَزَوْهُ خَيْرًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute