قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهَا مَرْوَانُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَكَلَّمُ أَمْ أَصْمُتُ؟
قَالَ: بَلْ تَكَلَّمْ، فَقَالَ مَرْوَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ مَقَالَتَكَ هَذِهِ كَانَتْ وَأَنْتَ مُمْتَنِعٌ مَنِيعٌ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ رَضِيَ بِهَا، وَأَعَانَ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّكَ قُلْتَ مَا قُلْتَ حِينَ بَلَغَ الْحِزَامُ الطُّبْيَيْنِ، وَخَلَفَ السَّيْلُ الزُّبَى، وَحِينَ أَعْطَى الْخُطَّةَ الْذَلِيلَةَ الذَّلِيلُ، وَاللَّهِ لإِقَامَةٌ عَلَى خَطِيئَةٍ تَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا أَجْمَلُ مِنْ تَوْبَةٍ تُخَوَّفُ عَلَيْهَا، وَإِنَّكَ إِنْ شِئْتَ تَقَرَّبْتَ بِالتَّوْبَةِ وَلَمْ تُقْرِرْ بِالْخَطِيئَةِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْكَ عَلَى الْبَابِ مِثْلُ الْجِبَالِ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ عُثْمَانُ: فَاخْرُجْ اليهم فكلمهم، فانى استحى أَنْ أُكَلِّمَهُمْ قَالَ: فَخَرَجَ مَرْوَانُ إِلَى الْبَابِ وَالنَّاسُ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ كَأَنَّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ لِنَهْبٍ! شَاهَتِ الْوُجُوهِ! كُلُّ إِنْسَانٍ آخِذٌ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ أَلا مَنْ أُرِيدَ! جِئْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْزَعُوا مُلْكَنَا مِنْ أَيْدِينَا! اخْرُجُوا عَنَّا، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رُمْتُمُونَا لَيَمُرَّنَّ عَلَيْكُمْ مِنَّا أَمْرٌ لا يَسُرُّكُمْ، وَلا تَحْمَدُوا غِبَّ رَأْيِكُمْ ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ، فَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَحْنُ مَغْلُوبِينَ عَلَى مَا فِي أَيْدِينَا قَالَ: فَرَجَعَ النَّاسُ وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ حَتَّى أَتَى عَلِيًّا فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، [فَجَاءَ عَلِيٌّ ع مُغْضَبًا، حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَمَا رَضِيتَ مِنْ مَرْوَانَ وَلا رَضِيَ مِنْكَ إِلا بِتَحَرُّفِكَ عَنْ دِينِكَ وَعَنْ عَقْلِكَ، مِثْلَ جَمَلِ الظَّعِينَةِ يُقَادُ حَيْثُ يُسَارُ بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَرْوَانُ بِذِي رَأْيٍ فِي دِينِهِ وَلا نَفْسِهِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ سَيُورِدُكَ ثُمَّ لا يُصْدِرُكَ، وَمَا أَنَا بِعَائِدٍ بَعْدَ مُقَامِي هَذَا لِمُعَاتَبَتِكَ، أَذْهَبْتَ شَرَفَكَ، وَغَلَبْتَ عَلَى أَمْرِكَ] فَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ نَائِلَةُ ابْنَةُ الْفُرَافِصَةِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: أَتَكَلَّمُ أَوْ أَسْكُتُ؟ فَقَالَ: تَكَلَّمِي، فقالت: قد سمعت قول على لك، وانه لَيْسَ يُعَاوِدُكَ، وَقَدْ أَطَعْتَ مَرْوَانَ يَقُودُكَ حَيْثُ شَاءَ قَالَ:
فَمَا أَصْنَعُ؟ قَالَتْ: تَتَّقِي اللَّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَتَتَّبِع سُنَّةَ صَاحِبَيْكَ مِنْ قَبْلِكَ، فَإِنَّكَ مَتَى أَطَعْتَ مَرْوَانَ قَتَلَكَ، وَمَرْوَانُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ قَدْرٌ وَلا هَيْبَةٌ وَلا مَحَبَّةٌ، وَإِنَّمَا تَرَكَكَ النَّاسُ لِمَكَانِ مَرْوَانَ، فَأَرْسِلْ إِلَى عَلِيٍّ فَاسْتَصْلِحْهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute