يمص إبهامه يزعمون- والله أعلم- أن الله جعل رزق ابراهيم ع فيها ما يجيئه من مصه، وكان آزر فيما يزعمون قد سأل أم إبراهيم عن حملها ما فعل، فقالت: ولدت غلاما فمات فصدقها فسكت عنها، وكان اليوم- فيما يذكرون- على إبراهيم في الشباب كالشهر، والشهر كالسنة، ولم يمكث ابراهيم ع في المغارة إلا خمسة عشر شهرا، حتى قال لأمه: أخرجيني أنظر، فأخرجته عشاء، فنظر وتفكر في خلق السموات والأرض، وقال: إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربي، ما لي إله غيره ثم نظر في السماء ورأى كوكبا، فقال:«هذا رَبِّي» ، ثم اتبعه ينظر إليه ببصره حتى غاب «فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ» ، ثم اطلع للقمر فرآه بازغا فقال:«هذا رَبِّي» ثم أتبعه ببصره حتى غاب «فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ» فلما دخل عليه النهار وطلعت الشمس رأى عظم الشمس ورأى شيئا هو أعظم نورا من كل شيء رآه قبل ذلك، فقال:«هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ، فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» .
ثم رجع إبراهيم إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته، وعرف ربه وبريء من دين قومه إلا أنه لم يبادهم بذلك، فأخبره أنه ابنه، فأخبرته أم إبراهيم ع أنه ابنه، فأخبرته بما كانت صنعت في شأنه، فسر بذلك آزر وفرح فرحا شديدا، وكان آزر يصنع أصنام قومه التي يعبدون، ثم يعطيها إبراهيم يبيعها، فيذهب بها إبراهيم ع فيما يذكرون فيقول: من يشتري ما يضره ولا ينفعه! فلا يشتريها منه أحد، فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر فصوب فيه رءوسها، وقال: اشربي- استهزاء بقومه، وبما هم عليه من الضلالة- حتى فشا عيبه إياها، واستهزاؤه بها في قومه وأهل قريته،