الْمَدِينَةِ أَنْ يَعْلَمُوا مَا رَأْيُ عَلِيٍّ فِي مُعَاوِيَةَ وَانْتِقَاضِهِ، لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ رَأْيَهُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، أَيَجْسُرُ عَلَيْهِ أَوْ يَنْكَلُ عَنْهُ! وَقَدْ بَلَغَهُمْ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ دَخَلَ عَلَيْهِ وَدَعَاهُ إِلَى الْقُعُودِ وَتَرْكِ النَّاسِ، فَدَسُّوا إِلَيْهِ زِيَادَ بْنَ حَنْظَلَةَ التَّمِيمِيَّ- وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى عَلِيٍّ- فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَجَلَسَ إِلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا زِيَادُ، تَيَسَّرْ، فَقَالَ: لأَيِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: تَغْزُو الشَّامَ، فَقَالَ زِيَادٌ: الأَنَاةُ وَالرِّفْقُ أَمْثَلُ، فَقَالَ:
وَمَنْ لا يصانع في امور كثيره ... يضر من بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأْ بِمِنْسَمِ
فَتَمَثَّلَ عَلِيٌّ وَكَأَنَّهُ لا يُرِيدُهُ:
مَتَى تَجْمَعِ الْقَلْبَ الذَّكِيَّ وَصَارِمًا ... وَأَنْفًا حَمِيًّا تَجْتَنِبْكَ الْمَظَالِمُ
فَخَرَجَ زِيَادٌ عَلَى النَّاسِ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَهُ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ فَقَالَ:
السَّيْفُ يَا قَوْمُ، فَعَرَفُوا مَا هُوَ فَاعِلٌ وَدَعَا على محمد بن الْحَنَفِيَّةِ فَدَفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ، وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ مَيْمَنَتَهُ، وَعُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ- أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد- وَلاهُ مَيْسَرَتَهُ، وَدَعَا أَبَا لَيْلَى بْنَ عُمَرَ بْنِ الْجَرَّاحِ، ابْنَ أَخِي أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَجَعَلَهُ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قُثَمَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يُوَلِّ مِمَّنْ خَرَجَ عَلَى عُثْمَانَ أَحَدًا، وَكَتَبَ إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَنْ يَنْدُبَ النَّاسَ إِلَى الشَّامِ، وَإِلَى عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ وَإِلَى أَبِي مُوسَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَقْبَلَ عَلَى التَّهَيُّؤِ وَالتَّجَهُّزِ، وَخَطَبَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى النُّهُوضِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْفُرْقَةِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ رَسُولا هَادِيًا مَهْدِيًّا بِكِتَابٍ نَاطِقٍ وَأَمْرٍ قَائِمٍ وَاضِحٍ، لا يَهْلِكُ عَنْهُ إِلا هَالِكٌ، وَإِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ وَالشُّبُهَاتِ هُنَّ الْمُهْلِكَاتُ إِلا مَنْ حَفِظَ اللَّهُ، وَإِنَّ فِي سُلْطَانِ اللَّهِ عِصْمَةَ أَمْرِكُمْ، فَأَعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مَلْوِيَّةٍ وَلا مُسْتَكَرَهٍ بِهَا، وَاللَّهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقِلَنَّ اللَّهُ عَنْكُمْ سُلْطَانَ الإِسْلامِ ثُمَّ لا يَنْقِلُهُ إِلَيْكُمْ أَبَدًا حَتَّى يَأْرِزَ الأَمْرُ إِلَيْهَا، انْهَضُوا إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute