عَلَى جَمَلٍ إِذْ عَرَضَ لِي رَاكِبٌ فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الْجَمَلِ، تَبِيعُ جَمَلَكَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: بِكَمْ؟ قُلْتُ: بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، قَالَ: مَجْنُونٌ أَنْتَ! جَمَلٌ يُبَاعُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ! قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، جَمَلِي هَذَا، قَالَ: وَمِمَّ ذَلِكَ؟
قُلْتُ: مَا طَلَبْتُ عَلَيْهِ أَحَدًا قَطُّ إِلا أَدْرَكْتُهُ، وَلا طَلَبَنِي وَأَنَا عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلا فُتُّهُ قَالَ: لَوْ تَعْلَمُ لِمَنْ نُرِيدُهُ لأَحْسَنْتَ بَيْعَنَا، قَالَ: قُلْتُ: وَلِمَنْ تُرِيدُهُ؟ قَالَ: لأُمِّكَ، قُلْتُ: لَقَدْ تَرَكْتُ أُمِّي فِي بَيْتِهَا قَاعِدَةً مَا تُرِيدُ بَرَاحًا، قَالَ: إِنَّمَا أُرِيدُهُ لأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، قُلْتُ: فَهُوَ لَكَ، فَخُذْهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، قَالَ: لا، وَلَكِنِ ارْجِعْ مَعَنَا إِلَى الرَّحْلِ فَلْنُعْطِكَ نَاقَةً مَهْرِيَّةً وَنَزِيدُكَ دَرَاهِمَ، قَالَ: فَرَجَعْتُ فأعطوني ناقه لها مهريه، وزادونى أربعمائة او ستمائه دِرْهَمٍ، فَقَالَ لِي: يَا أَخَا عُرَيْنَةَ، هَلْ لَكَ دَلالَةٌ بِالطَّرِيقِ؟ قَالَ: قُلْتُ:
نَعَمْ، أَنَا مِنْ أَدْرَكِ النَّاسِ، قَالَ: فَسِرْ مَعَنَا، فَسِرْتُ مَعَهُمْ فَلا أَمُرُّ عَلَى وَادٍ وَلا مَاءٍ إِلا سَأَلُونِي عَنْهُ، حَتَّى طَرَقْنَا مَاءَ الحَوْأَبِ فَنَبَحَتْنَا كِلابُهَا، قَالُوا: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قُلْتُ: مَاءُ الْحَوْأَبِ، قَالَ: فَصَرَخَتْ عَائِشَةُ بِأَعْلَى صَوْتِهَا، ثُمَّ ضَرَبَتْ عَضُدَ بَعِيرِهَا فَأَنَاخَتْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: انا والله صاحبة كِلابِ الْحَوْأَبِ طَرُوقًا، رُدُّونِي! تَقُولُ ذَلِكَ ثَلاثًا فَأَنَاخَتْ وَأَنَاخُوا حَوْلَهَا وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ تَأْبَى حَتَّى كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي أَنَاخُوا فِيهَا مِنَ الْغَدِ قَالَ: فَجَاءَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ، فَقَدْ أَدْرَكَكُمْ وَاللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ! قَالَ:
فَارْتَحَلُوا وَشَتَمُونِي، فَانْصَرَفْتُ، فَمَا سِرْتُ إِلا قَلِيلا وَإِذَا أَنَا بِعَلِيٍّ وَرَكْبٍ معه نحو من ثلاثمائة، فقال لي على: يا ايها الرَّاكِبُ! فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: أَيْنَ أَتَيْتَ الظَّعِينَةَ؟ قُلْتُ: فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، وَهَذِهِ نَاقَتُهَا، وَبِعْتُهُمْ جَمَلِي، قَالَ: وَقَدْ رَكِبَتْهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَسِرْتُ مَعَهُمْ حَتَّى أَتَيْنَا مَاءَ الْحَوْأَبِ فَنَبَحَتْ عَلَيْهَا كَلابُهَا، فَقَالَتْ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا رَأَيْتُ اخْتِلاطَ أَمْرِهِمْ انْفَتَلْتُ وَارْتَحَلُوا، فَقَالَ عَلِيٌّ: هَلْ لَكَ دِلالَةٌ بِذِي قَارٍ؟ قُلْتُ: لِعَلِيٍّ أَدُلُّ النَّاسَ، قَالَ: فَسِرْ مَعَنَا، فَسِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا ذَا قَارٍ، فَأَمَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِجِوَالِقَيْنِ فَضَمَّ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ جِيءَ بِرَحْلٍ فَوُضِعَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ جَاءَ يَمْشِي حَتَّى صَعِدَ عَلَيْهِ، وَسَدَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ حمد الله وأثنى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute