للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَإِذَا أَدْبَرَتْ بَيَّنَتْ، وَإِنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ بَاقِرَةٌ كَدَاءِ الْبَطْنِ تَجْرِي بِهَا الشَّمَالُ وَالْجَنُوبُ وَالصَّبَا وَالدَّبُورُ، فَتَسْكُنُ أَحْيَانًا فَلا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى، تَذَرُ الْحَلِيمَ كَابْنِ أَمْسِ، شَيِّمُوا سُيُوفَكُمْ وَقَصِّدُوا رِمَاحَكُمْ، وَأَرْسِلُوا سِهَامَكُمْ، واقطعوا أوتاركم، والزموا بيوتكم خلوا قريشا- إذ أَبَوْا إِلا الْخُرُوجَ مِنْ دَارِ الْهِجْرَةِ وَفِرَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالإِمْرَةِ- تَرْتِقُ فَتْقَهَا، وَتُشْعِبُ صَدْعَهَا، فَإِنْ فَعَلَتْ فَلأَنْفُسِهَا سَعَتْ، وَإِنْ أَبَتْ فَعَلَى أَنْفُسِهَا مَنَّتْ سَمْنَهَا تُهْرِيقُ فِي أَدِيمِهَا، اسْتَنْصِحُونِي وَلا تَسْتَغِشُّونِي، وَأَطِيعُونِي يَسْلَمْ لَكُمْ دِينُكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، وَيَشْقَى بحر هَذِهِ الْفِتْنَةِ مَنْ جَنَاهَا.

فَقَامَ زَيْدٌ فَشَالَ يَدَهُ الْمَقْطُوعَةَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، رُدَّ الْفُرَاتَ عَنْ دِرَاجِهِ، ارْدُدْهُ مِنْ حَيْثُ يَجِيءُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا بَدَأَ، فَإِنْ قَدِرْتَ عَلَى ذَلِكَ فَسَتَقْدِرُ عَلَى مَا تُرِيدُ، فَدَعْ عَنْكَ مَا لَسْتَ مُدْرِكَهُ ثُمَّ قَرَأَ:

«الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا» إِلَى آخِرِ الآيَتَيْنِ، سِيرُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدِ الْمُسْلِمِينَ، وَانْفُرُوا إِلَيْهِ أَجْمَعِينَ تُصِيبُوا الْحَقَّ.

فَقَامَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ، وَعَلَيْكُمْ شَفِيقٌ، أُحِبُّ أَنْ تَرْشُدُوا، وَلأَقُولَنَّ لَكُمْ قَوْلا هُوَ الْحَقُّ، أَمَّا مَا قَالَ الأمير فهو الأَمْرِ لَوْ أَنَّ إِلَيْهِ سَبِيلا، وَأَمَّا مَا قَالَ زَيْدٌ فَزَيْدٌ فِي الأَمْرِ فَلا تَسْتَنْصِحُوهُ فَإِنَّهُ لا يُنْتَزَعُ أَحَدٌ مِنَ الْفِتْنَةِ طَعَنَ فِيهَا وَجَرَى إِلَيْهَا، وَالْقَوْلُ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ إِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ إِمَارَةٍ تُنَظِّمُ النَّاسَ وتزع الظَّالِمَ وَتُعِزُّ الْمَظْلُومَ، وَهَذَا عَلِيٌّ يَلِي بِمَا وُلِّيَ، وَقَدْ أَنْصَفَ فِي الدُّعَاءِ وَإِنَّمَا يَدْعُو إِلَى الإِصْلاحِ، فَانْفُرُوا وَكُونُوا مِنْ هَذَا الأَمْرِ بِمَرْأًى وَمْسَمِعٍ.

وَقَالَ سَيْحَانُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لا بُدَّ لِهَذَا الأَمْرِ وَهَؤُلاءِ النَّاسِ مِنْ وَالٍ يَدْفَعُ الظَّالِمَ وَيُعِزُّ الْمَظْلُومَ وَيَجْمَعُ النَّاسَ، وَهَذَا وَالِيكُمْ يَدْعُوكُمْ لِيَنْظُرَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ، وَهُوَ الْمَأْمُونُ عَلَى الأُمَّةِ، الْفَقِيهُ فِي الدِّينِ، فَمَنْ نَهَضَ إِلَيْهِ فَإِنَّا سَائِرُونَ مَعَهُ وَلانَ عَمَّارٌ بَعْدَ نَزْوَتِهِ الأُولَى فَلَمَّا فَرَغَ سَيْحَانُ مِنْ خُطْبَتِهِ، تَكَلَّمَ عَمَّارٌ فَقَالَ: هَذَا ابن عم رسول الله ص يستنفركم

<<  <  ج: ص:  >  >>