عَبْدِ اللَّهِ، عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ عَبْدَ خَيْرٍ الْخَيْوَانِيَّ قَامَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، هَلْ كَانَ هَذَانِ الرَّجُلانِ- يَعْنِي طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ- مِمَّنْ بَايَعَ عَلِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ أَحْدَثَ حَدَثًا يَحِلُّ بِهِ نَقْضَ بَيْعَتِهِ؟
قَالَ: لا أَدْرِي، قَالَ: لا دَرَيْتَ، فَإِنَّا تَارِكُوكَ حَتَّى تَدْرِيَ! يَا أَبَا مُوسَى هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا خَارِجًا من هذه الْفِتْنَةِ الَّتِي تَزْعُمُ إِنَّهَا هِيَ فِتْنَةٌ؟ إِنَّمَا بقي اربع فرق: عَلِيٌّ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ، وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ بِالْبَصْرَةِ، وَمُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ، وَفِرْقَةٌ أُخْرَى بِالْحِجَازِ، لا يُجْبَى بِهَا فَيْءٌ، وَلا يُقَاتَلُ بِهَا عَدُوٌّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى:
أُولَئِكَ خَيْرُ النَّاسِ، وَهِيَ فِتْنَةٌ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ خَيْرٍ: يَا أَبَا مُوسَى، غَلَبَ عَلَيْكَ غِشُّكَ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ الأَشْتَرُ قَامَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ رَجُلا قَبْلَ هَذَيْنِ فَلَمْ أَرَهْ أَحْكَمَ شَيْئًا وَلا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَهَذَانِ أَخْلَقُ مَنْ بَعَثْتَ أَنْ ينشب بِهِمُ الأَمْرُ عَلَى مَا تَحِبُّ، وَلَسْتُ أَدْرِي مَا يَكُونُ، فَإِنْ رَأَيْتَ- أَكْرَمَكَ اللَّهُ- يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَبْعَثَنِي فِي أَثَرِهِمْ، فَإِنَّ أَهْلَ الْمِصْرِ أَحْسَنُ شَيْءٍ لِي طَاعَةً، وَإِنْ قَدِمْتُ عَلَيْهِمْ رَجَوْتُ أَلا يُخَالِفَنِي مِنْهُمْ أَحَدٌ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: الْحَقْ بِهِمْ، فَأَقْبَلَ الأَشْتَرُ حَتَّى دَخَلَ الْكُوفَةَ وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ، فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِقَبِيلَةٍ يَرَى فِيهَا جَمَاعَةً فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَسْجِدٍ إِلا دَعَاهُمْ وَيَقُولُ: اتْبَعُونِي إِلَى الْقَصْرِ، فَانْتَهَى إِلَى الْقَصْرِ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَاقْتَحَمَ الْقَصْرَ فَدَخَلَهُ وَأَبُو مُوسَى قَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ يخطب الناس ويثبطهم، يقول: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذِهِ فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ تَطَأُ خِطَامَهَا، النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَالسَّاعِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ، إِنَّهَا فِتْنَةٌ بَاقِرَةٌ كَدَاءِ الْبَطْنِ، أَتَتْكُمْ مِنْ قِبَلِ مَأْمَنِكُمْ، تَدَعُ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ كَابْنِ أَمْسِ.
انا معاشر اصحاب محمد ص أَعْلَمُ بِالْفِتْنَةِ، إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَسْفَرَتْ وَعَمَّارٌ يُخَاطِبُهُ وَالْحَسَنُ يَقُولُ لَهُ: اعْتَزِلْ عَمَلَنَا لا أُمَّ لَكَ! وَتَنَحَّ عَنْ مِنْبَرِنَا وَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا من رسول الله ص
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute