وَخَرَجُوا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، وَطَلَبْتُمْ ذَلِكَ الَّذِي أَفْلَتَ- يَعْنِي حُرْقُوصَ بْنَ زُهَيْرٍ- فَمَنَعَهُ سِتَّةُ آلافٍ وَهُمْ عَلَى رَجُلٍ، فَإِنْ تَرَكْتُمُوهُ كُنْتُمْ تَارِكِينَ لِمَا تَقُولُونَ، وَإِنْ قَاتَلْتُمُوهُمْ وَالَّذِينَ اعْتَزَلُوكُمْ فَأُدِيلُوا عَلَيْكُمْ فَالَّذِي حَذَرَتْمُ وَقَرَّبْتُمْ بِهِ هَذَا الأَمْرَ أَعْظَمُ مِمَّا أَرَاكُمْ تَكْرَهُونَ، وَأَنْتُمْ أَحْمَيْتُمْ مُضَرَ وَرَبِيعَةَ مِنْ هَذِهِ الْبِلادِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ وَخِذْلانِكُمْ نُصْرَةً لِهَؤُلاءِ كَمَا اجْتَمَعَ هَؤُلاءِ لأَهْلِ هَذَا الْحَدَثِ الْعَظِيمِ وَالذَّنْبِ الْكَبِيرِ فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: فَتَقُولُ أَنْتَ مَاذَا؟ قَالَ: أَقُولُ هَذَا الأَمْرُ دَوَاؤُهُ التَّسْكِينُ، وَإِذَا سَكَنَ اخْتَلَجُوا، فَإِنْ أَنْتُمْ بَايَعْتُمُونَا فَعَلامَةُ خَيْرٍ وَتَبَاشِيرُ رَحْمَةٍ وَدَرْكٌ بِثَأْرِ هَذَا الرَّجُلِ، وَعَافِيَةٌ وَسَلامَةٌ لِهَذِه الأُمَّةِ، وَإِنْ أَنْتُمْ أَبَيْتُمْ إِلا مُكَابَرَةَ هَذَا الأَمْرِ وَاعْتِسَافِهِ، كَانَتْ عَلامَةَ شَرٍّ، وَذَهَابَ هَذَا الثَّأْرِ، وَبَعْثَةَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ هَزَاهِزُهَا، فَآثِرُوا الْعَافِيَةَ تُرْزَقُوهَا، وَكُونُوا مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ كَمَا كُنْتُمْ تَكُونُونَ، وَلا تُعَرِّضُونَا لِلْبَلاءِ وَلا تَعْرِضُوا لَهُ فَيَصْرَعَنَا وَإِيَّاكُمْ.
وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لأَقُولُ هَذَا وَأَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ وَإِنِّي لَخَائِفٌ أَلا يَتِمَّ حَتَّى يَأْخُذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَتَهُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي قَلَّ مَتَاعُهَا وَنَزَلَ بِهَا مَا نَزَلَ، فَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ الَّذِي حَدَثَ أَمْرٌ لَيْسَ يُقَدَّرُ، وَلَيْسَ كَالأُمُورِ، وَلا كَقَتْلِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، وَلا النَّفَرِ الرَّجُلَ، وَلا الْقَبِيلَةِ الرَّجُلَ.
فَقَالُوا: نَعَمْ، إِذًا قَدْ أَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ الْمَقَالَةَ، فَارْجِعْ فَإِنْ قَدِمَ عَلِيٌّ وَهُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِكَ صَلَحَ هَذَا الأَمْرُ فَرَجَعَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرَهُ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، وَأَشْرَفَ الْقَوْمُ عَلَى الصُّلْحِ، كَرِهَ ذَلِكَ مَنْ كَرِهَهُ، وَرَضِيَهُ مَنْ رَضِيَهُ.
وَأَقْبَلَتْ وُفُودُ الْبَصْرَةِ نَحْوَ عَلِيٍّ حِينَ نَزَلَ بِذِي قَارٍ، فَجَاءَتْ وُفُودُ تَمِيمٍ وَبَكْرٍ قَبْلَ رَجُوعِ الْقَعْقَاعِ لِيَنْظُرُوا مَا رَأَى إِخْوَانُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَعَلَى أَيِّ حَالٍ نَهَضُوا إِلَيْهِمْ، وَلِيُعْلِمُوهُمْ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ رَأْيُهُمُ الإِصْلاحَ، وَلا يَخْطُرُ لَهُمْ قِتَالٌ عَلَى بَالٍ فَلَمَّا لَقُوا عَشَائِرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِالَّذِي بَعَثَهُمْ فِيهِ عَشَائِرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقَالَ لَهُمُ الْكُوفِيُّونَ مِثْلَ مَقَالَتِهِمْ، وَأَدْخَلُوهُمْ عَلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُمْ، سَأَلَ عَلِيٌّ جرير بْنَ شرسٍ عَنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَأَخْبَرَهُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute