للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَحَبَسُوهُ فِي بَيْتٍ، وَجَمَعُوا لَهُ حَطَبًا حَتَّى أَنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتَمْرَضُ فَتَقُولُ:

لَئِنْ عَافَانِي اللَّهُ لأَجْمَعَنَّ حَطَبًا لإِبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا جَمَعُوا لَهُ وَأَكْثَرُوا مِنَ الْحَطَبِ حَتَّى إِنْ كَانَ الطَّيْرُ لَيَمُرُّ بِهَا فَيَحْتَرِقُ مِنْ شِدَّةِ وَهَجِهَا وحرها، فعمدوا إِلَيْهِ فَرَفَعُوهُ عَلَى رَأْسِ الْبُنْيَانِ، فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَتِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْمَلائِكَةُ: رَبَّنَا! إِبْرَاهِيمُ يُحْرَقُ فِيكَ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِهِ، فَإِنْ دَعَاكُمْ فَأَغِيثُوهُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْوَاحِدُ فِي السَّمَاءِ وَأَنَا الْوَاحِدُ فِي الأَرْضِ، لَيْسَ فِي الأَرْضِ أَحَدٌ يَعْبُدُكَ غَيْرِي، حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ! فَقَذَفُوهُ فِي النَّارِ، فَنَادَاهَا فَقَالَ: «يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى ابراهيم» وكان جبرئيل هُوَ الَّذِي نَادَاهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ لَمْ يُتْبِعْ بَرْدَهَا سَلامًا لَمَاتَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بَرْدِهَا، فَلَمْ تَبْقَ يَوْمَئِذٍ نَارٌ فِي الأَرْضِ الا طفئت وظنت أَنَّهَا تُعْنَى فَلَمَّا طُفِئَتِ النَّارُ نَظَرُوا إِلَى ابراهيم فإذا هو ورجل آخَرُ مَعَهُ، وَإِذَا رَأْسُ إِبْرَاهِيمَ فِي حِجْرِهِ يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ الْعَرَقَ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ الرجل مَلَكُ الظِّلِّ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ نَارًا وَانْتَفَعَ بِهَا بَنُو آدَمَ، فَأَخْرَجُوا إِبْرَاهِيمَ، فَأَدْخَلُوهُ عَلَى الْمَلِكِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق.

قال: وَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَلَكَ الظِّلِّ فِي صُورَةِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَعَدَ فِيهَا إِلَى جَنْبِهِ يُؤْنِسُهُ، فَمَكَثَ نُمْرُودُ أَيَّامًا لا يَشُكُّ إِلا أَنَّ النَّارَ قَدْ أَكَلَتْ إِبْرَاهِيمَ وَفَرَغَتْ مِنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ فَمَرَّ بِهَا وَهِيَ تَحْرِقُ مَا جَمَعُوا لَهَا مِنَ الْحَطَبِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ جَالِسًا فِيهَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِثْلُهُ، فَرَجَعَ مِنْ مَرْكَبِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ حَيًّا فِي النَّارِ، وَلَقَدْ شُبِّهَ عَلَيَّ، ابْنُوا لِي صَرْحًا يُشْرِفُ بِي عَلَى النَّارِ حَتَّى أَسْتَثْبِتُ، فَبَنَوْا لَهْ صَرْحًا، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ فَاطَّلَعَ مِنْهُ إِلَى النَّارِ، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ جَالِسًا فِيهَا، وَرَأَى الْمَلَكَ قَاعِدًا إِلَى جَنْبِهِ فِي مِثْلِ صُورَتِهِ، فَنَادَاهُ نُمْرُودُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، كَبِيرٌ إِلَهُكَ الَّذِي بَلَغَتْ قُدْرَتُهُ وَعِزَّتُهُ أَنْ حَالَ بَيْنَ مَا أَرَى وَبَيْنَكَ، حَتَّى لَمْ تَضُرَّكَ يَا إِبْرَاهِيمُ، هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>