قَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بن كعب الوالبي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كنت مع مُحَمَّد بن أبي بكر حين قدم مصر، فلما قدم قرأ عَلَيْهِم عهده:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا عَهِدَ عَبْد اللَّهِ علي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى مُحَمَّد بن أبي بكر حين ولاه مصر، وأمره بتقوى اللَّه والطاعة فِي السر والعلانية، وخوف اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الغيب والمشهد، وباللين عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وبالغلظة عَلَى الفاجر، وبالعدل عَلَى أهل الذمة، وبإنصاف المظلوم، وبالشدة عَلَى الظالم، وبالعفو عن الناس، وبالإحسان مَا استطاع، وَاللَّهِ يجزي المحسنين، ويعذب المجرمين وأمره أن يدعو من قبله إِلَى الطاعة والجماعة، فإن لَهُمْ في ذلك من العاقبه وعظيم المثوبه ما لا يقدرون قدره، وَلا يعرفون كنهه، وأمره أن يجبي خراج الأرض عَلَى مَا كَانَتْ تجبى عَلَيْهِ من قبل، لا ينتقص مِنْهُ وَلا يبتدع فِيهِ، ثُمَّ يقسمه بين أهله عَلَى مَا كَانُوا يقسمون عَلَيْهِ من قبل، وأن يلين لَهُمْ جناحه، وأن يواسي بينهم فِي مجلسه ووجهه، وليكن القريب والبعيد فِي الحق سواء وأمره أن يحكم بين الناس بالحق، وأن يقوم بالقسط، وَلا يتبع الهوى، وَلا يخف فِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لومة لائم، فإن اللَّه جل ثناؤه مع من اتقى وآثر طاعته وأمره عَلَى مَا سواه وكتب عبيد اللَّهِ بن أبي رافع مولى رَسُول اللَّهِ ص لغرة شهر رمضان.
قَالَ: ثُمَّ إن مُحَمَّد بن أبي بكر قام خطيبا، فَحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه، ثم قال: الحمد لله الَّذِي هدانا وإياكم لما اختلف فِيهِ من الحق، وبصرنا وإياكم كثيرا مما عمي عنه الجاهلون أَلا إن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ولاني أموركم، وعهد إلي مَا قَدْ سمعتم، وأوصاني بكثير مِنْهُ مشافهة، ولن آلوكم خيرا مَا استطعت، «وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» ، فإن يكن مَا ترون من إمارتي وأعمالي طاعة لِلَّهِ وتقوى، فاحمدوا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا كَانَ