للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الشام، وَقَدْ دعوناهم فلم يجبنا مِنْهُمْ أحد، فمرنا بأمرك فأرسل علي إِلَى الأَشْتَر، [فَقَالَ: يَا مالك، إن زيادا وشريحا أرسلا إلي يعلماني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي فِي جمع من أهل الشام، وأنبأني الرسول أنه تركهم متواقفين، فالنجاء إِلَى أَصْحَابك النجاء، فإذا قدمت عَلَيْهِم فأنت عَلَيْهِم وإياك أن تبدأ القوم بقتال إلا أن يبدءوك حَتَّى تلقاهم فتدعوهم وتسمع، ولا يجرمنك شنآنهم عَلَى قتالهم قبل دعائهم، والإعذار إِلَيْهِم مرة بعد مرة، واجعل عَلَى ميمنتك زيادا، وعلى ميسرتك شريحا، وقف من أَصْحَابك وسطا، وَلا تدن مِنْهُمْ دنو من يريد أن ينشب الحرب، وَلا تباعد مِنْهُمْ بعد من يهاب البأس حَتَّى أقدم عَلَيْك، فإني حثيث السير فِي أثرك إِنْ شَاءَ اللَّهُ] قَالَ: وَكَانَ الرسول الْحَارِث بن جمهان الجعفي، فكتب علي إِلَى زياد وشريح:

أَمَّا بَعْدُ، فإني قَدْ أمرت عَلَيْكُمَا مالكا، فاسمعا لَهُ وأطيعا، فإنه ممن لا يخاف رهقه وَلا سقاطه وَلا بطؤه عما الإسراع إِلَيْهِ أحزم، وَلا الإسراع إِلَى مَا الإبطاء عنه أمثل، وَقَدْ أمرته بمثل الَّذِي كنت أمرتكما بِهِ أَلا يبدأ القوم حَتَّى يلقاهم فيدعوهم ويعذر إِلَيْهِم.

وخرج الأَشْتَر حَتَّى قدم عَلَى القوم، فاتبع مَا أمره علي وكف عن القتال فلم يزالوا متواقفين حَتَّى إذا كَانَ عِنْدَ المساء حمل عَلَيْهِم أَبُو الأعور السلمي، فثبتوا لَهُ، واضطربوا ساعة ثُمَّ إن أهل الشام انصرفوا، ثُمَّ خرج إِلَيْهِم من الغد هاشم بن عتبة الزُّهْرِيّ فِي خيل ورجال حسن عددها وعدتها، وخرج إِلَيْهِ أَبُو الأعور فاقتتلوا يومهم ذَلِكَ، تحمل الخيل عَلَى الخيل والرجال عَلَى الرجال، وصبر القوم بعضهم لبعض، ثُمَّ انصرفوا، وحمل عَلَيْهِم الأَشْتَر، فقتل عَبْد اللَّهِ بن المنذر التنوخي، قتله يَوْمَئِذٍ ظبيان بن عمار التميمي، وما هُوَ إلا فتى حدث، وإن كَانَ التنوخي لفارس أهل الشام، وأخذ الأَشْتَر يقول:

ويحكم! أروني أبا الأعور.

ثُمَّ إن أبا الأعور دعا الناس، فرجعوا نحوه، فوقف من وراء المكان الَّذِي كَانَ فِيهِ أول مرة، وجاء الأَشْتَر حَتَّى صف أَصْحَابه فِي المكان الَّذِي كَانَ فِيهِ أَبُو الأعور، فَقَالَ الأَشْتَر لسنان بن مالك النخعي: انطلق إِلَى أبي الأعور

<<  <  ج: ص:  >  >>