للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدِمَ فَجَمَعَ مَنْ أَطَاعَهُ مِنْ عَشِيرَتِهِ، ثُمَّ نَهَضَ بِهِمْ بِجِدٍّ وَصِدْقِ نِيَّةٍ إِلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَحَثَّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْكَفِّ وَالرُّجُوعِ عَنْ شِقَاقِهِمْ، وَوَافَقَتْهُمْ عَامَّةُ قَوْمٍ، فَهَالَهُمْ ذَلِكَ، وَتَصَدَّعَ عَنْهُمْ كَثِيرٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُمْ، يُمَنِّيهِمْ نُصْرَتَهُ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ مُنَاوَشَةٌ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَاغْتَالُوهُ فَأُصِيبَ، رَحِمَ اللَّهُ أَعْيَنُ! فَأَرَدْتُ قِتَالَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَخَفْ مَعِي مَنْ أَقْوَى بِهِ عَلَيْهِمْ، وَتَرَاسَلَ الْحَيَّانِ، فَأَمْسَكَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.

فَلَمَّا قَرَأَ عَلِيٌّ كِتَابَهُ دَعَا جَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ السَّعْدِيَّ، فَوَجَّهَهُ فِي خَمْسِينَ رَجُلا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ شَرِيكَ بْنَ الأَعْوَرِ- وَيُقَالُ بَعَثَ جاريه خمسمائة رَجُلٍ- وَكَتَبَ إِلَى زِيَادٍ كِتَابًا يُصَوِّبُ رَأْيَهُ فيما صنع، وامره بمعونة جاريه ابن قُدَامَةَ وَالإِشَارَةِ عَلَيْهِ، فَقَدِمَ جَارِيَةُ الْبَصْرَةَ، فَأَتَى زِيَادًا فَقَالَ لَهُ: احْتَفِزْ وَاحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ مَا أَصَابَ صَاحِبَكَ، وَلا تَثِقَنَّ بِأَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ فَسَارَ جَارِيَةُ إِلَى قَوْمِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ عَلِيٍّ، وَوَعَدَهُمْ، فَأَجَابَهُ أَكْثَرُهُمْ، فَسَارَ إِلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَحَصَرَهُ فِي دَارِ سنبيل، ثُمَّ أَحْرَقَ عَلَيْهِ الدَّارَ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ، وَكَانَ مَعَهُ سَبْعُونَ رَجُلا- وَيُقَالُ أَرْبَعُونَ- وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَرَجَعَ زِيَادٌ إِلَى دَارِ الإِمَارَةِ، وَكَتَبَ إِلَى عَلِيٍّ مَعَ ظَبْيَانَ بْنِ عُمَارَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَ جَارِيَةَ وَإِنَّ جَارِيَةَ قَدِمَ عَلَيْنَا فَسَارَ إِلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلَهُ حَتَّى اضْطَرَّهُ إِلَى دَارٍ مِنْ دُورِ بَنِي تَمِيمٍ، فِي عِدَّةِ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بَعْدَ الإِعْذَارِ وَالإِنْذَارِ، وَالدُّعَاءِ إِلَى الطَّاعَةِ، فَلَمْ يُنِيبُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا، فَأَضْرَمَ عَلَيْهِمُ الدَّارَ فَأَحْرَقَهُمْ فِيهَا، وَهُدِمَتْ عَلَيْهِمْ، فَبُعْدًا لِمَنْ طَغَى وَعَصَى! فَقَالَ عَمْرو بن العرندس العودي:

رددنا زيادا إِلَى داره ... وجار تميم دخانا ذهب

لحى اللَّه قوما شووا جارهم ... وللشاء بالدرهمين الشصب

<<  <  ج: ص:  >  >>