قال: فمضينا وقد منا الْمَدِينَة وسعيد بن الْعَاصِ بن أُمَيَّة عَلَيْهَا، فكان فِي جنازة، فتبعته فوجدته قاعدا والميت يدفن حَتَّى قمت بين يديه، فقلت:
هَذَا مقام العائذ من رجل لم يصب دما وَلا مالا! فَقَالَ: قَدْ أجرت إن لم تكن أصبت دما وَلا مالا، وَقَالَ: من أنت؟ قلت: أنا همام بن غالب بن صعصعة، وَقَدْ أثنيت عَلَى الأمير، فإن رَأَى أن يأذن لي فأسمعه فليفعل، قَالَ: هات، فأنشدته:
قَالَ: وَقَالَ كعب بن جعيل: هَذِهِ وَاللَّهِ الرؤيا الَّتِي رأيت البارحة، قَالَ سَعِيد: وما رأيت؟ قَالَ: رأيت كأني أمشي فِي سكة من سكك المدينة، فإذا انا بابن قتره فِي جحر، فكأنه أراد أن يتناولني، فاتقيته، قَالَ: فقام الحطيئة فشق مَا بين رجلين حَتَّى تجاوز إلي، فَقَالَ: قل مَا شئت فقد أدركت من مضى، وَلا يدركك من بقي وَقَالَ لسعيد: هَذَا وَاللَّهِ الشعر، لا يعلل بِهِ منذ الْيَوْم قَالَ: فلم نزل بِالْمَدِينَةِ مرة وبمكة مرة وَقَالَ الفرزدق فِي ذَلِكَ:
أَلا من مبلغ عني زيادا ... مغلغلة يخب بِهَا البريد