فِي الأُمَمِ قَبْلَنَا، فَقَدْ صِرْنَ فِينَا: «أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ» وَخَصْلَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لَمْ يَحْفَظْهُمَا جَرِيرٌ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ ظَنَّ ابْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَرِئْ عَلَى ذَلِكَ إِلا وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَامَ وَرَكِبَ وَتَرَكَ رِهَانَهُ، فَقِيلَ لِعُرْوَةَ:
مَا صَنَعْتَ! تَعْلَمَنَّ وَاللَّهِ لَيَقْتُلَنَّكَ قَالَ: فَتَوَارَى، فَطَلَبَهُ ابْنُ زِيَادٍ، فَأَتَى الْكُوفَةَ، فَأَخَذَ بِهَا، فَقَدِمَ بِهِ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاهُ، ثُمَّ دَعَا بِهِ فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنَّكَ أَفْسَدْتَ دُنْيَايَ وَأَفْسَدْتَ آخِرَتَكَ، فَقَتَلَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنَتِهِ فَقَتَلَهَا.
وَأَمَّا مِرْدَاسُ بْنُ أُدَيَّةَ فَإِنَّهُ خَرَجَ بِالأَهْوَازِ وَقَدْ كَانَ ابْنُ زِيَادٍ قَبْلَ ذَلِكَ حَبَسَهُ- فِيمَا حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَلادُ بْنُ يَزِيدَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ-:
حَبَسَ ابْنُ زِيَادٍ- فِيمَنْ حَبَسَ- مِرْدَاسَ بْنَ أُدَيَّةَ، فَكَانَ السَّجَّانُ يَرَى عِبَادَتَهُ وَاجْتِهَادَهُ، وَكَانَ يَأْذَنُ لَهُ فِي اللَّيْلِ، فَيَنْصَرِفُ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَتَاهُ حَتَّى يَدْخُلَ السِّجْنَ، وَكَانَ صَدِيقٌ لِمِرْدَاسٍ يُسَامِرُ ابْنَ زِيَادٍ، فَذَكَرَ ابْنُ زِيَادٍ الْخَوَارِجَ لَيْلَةً فَعَزَمَ عَلَى قَتْلِهِمْ إِذَا أَصْبَحَ، فَانْطَلَقَ صَدِيقُ مِرْدَاسٍ إِلَى مَنْزِلِ مِرْدَاسٍ فَأَخْبَرَهُمْ، وَقَالَ: أَرْسِلُوا إِلَى أَبِي بِلالٍ فِي السِّجْنِ فَلْيَعْهَدْ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِرْدَاسٌ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ صَاحِبَ السِّجْنِ، فَبَاتَ بِلَيْلَةِ سُوءٍ إِشْفَاقًا مِنْ أَنْ يَعْلَمَ الْخَبَرَ مِرْدَاسٌ فَلا يَرْجِعُ، فَلَمَّا كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَرْجِعُ فِيهِ إِذَا بِهِ قَدْ طَلَعَ، فَقَالَ لَهُ السَّجَّانُ: هَلْ بَلَغَكَ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ الأَمِيرُ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قَالَ: ثُمَّ غَدَوْتَ! قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ يَكُنْ جَزَاؤُكَ مَعَ إِحْسَانِكَ أَنْ تعاقب بسبي، وَأَصْبَحَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَجَعَلَ يَقْتُلُ الْخَوَارِجَ، ثُمَّ دَعَا بِمِرْدَاسٍ، فَلَمَّا حَضَرَ وَثَبَ السَّجَّانُ- وَكَانَ ظِئْرًا لِعُبَيْدِ اللَّهِ- فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ، ثُمَّ قَالَ: هب هَذَا، وَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ، فَوَهَبَهُ لَهُ وَأَطْلَقَهُ.
حدثني عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا زهير بن حرب، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: خرج
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute