يتحارسون إذ ذاك فِي مجالسهم- فَقَالُوا: من هَذَا؟ قلت: الْحَارِث بن قيس، قَالُوا: امض راشدا، فلما مضينا قَالَ رجل مِنْهُمْ: هَذَا وَاللَّهِ ابن مرجانة خلفه، فرماه بسهم، فوضعه فِي كور عمامته، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد، من هَؤُلاءِ؟ قَالَ: الَّذِينَ كنت تزعم أَنَّهُمْ من قريش، هَؤُلاءِ بنو ناجية، قَالَ: نجونا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا حارث، إنك قَدْ أحسنت وأجملت، فهل أنت صانع ما أشير عَلَيْك؟ قَدْ علمت منزلة مسعود بن عَمْرو فِي قومه وشرفه وسنه وطاعة قومه لَهُ، فهل لك أن تذهب بي إِلَيْهِ فأكون فِي داره، فهي وسط الأزد، فإنك إن لم تفعل صدع عَلَيْك أمر قومك، قلت: نعم، فانطلقت بِهِ، فما شعر مسعود بشيء حَتَّى دخلنا عَلَيْهِ وَهُوَ جالس ليلتئذ يوقد بقضيب عَلَى لبنة، وَهُوَ يعالج خفيه قَدْ خلع أحدهما وبقي الآخر، فلما نظر فِي وجوهنا عرفنا وَقَالَ: إنه كَانَ يتعوذ من طوارق السوء، فقلت لَهُ: أفتخرجه بعد ما دخل عَلَيْك بيتك! قَالَ: فأمره فدخل بيت عبد الغافر بن مسعود- وامرأة عبد الغافر يَوْمَئِذٍ خيرة بنت خفاف بن عَمْرو- قَالَ: ثُمَّ ركب مسعود من ليلته وَمَعَهُ الْحَارِث وجماعة من قومه، فطافوا فِي الأزد ومجالسهم، فَقَالُوا: إن ابن زياد قَدْ فقد، وإنا لا نأمن أن تلطخوا بِهِ، فأصبحوا فِي السلاح، وفقد الناس ابن زياد فَقَالُوا: أين توجه؟ فَقَالُوا: مَا هُوَ إلا فِي الأزد.
قَالَ وهب: فحدثنا أَبُو بَكْر بن الفضل، عن قبيصة بن مروان انهم جعلوا يقولون: أين ترونه توجه؟ فَقَالَتْ عجوز من بني عقيل: أين ترونه توجه! اندحس وَاللَّهِ فِي أجمة أَبِيهِ.
وكانت وفاة يَزِيد حين جاءت ابن زياد وفي بيوت مال الْبَصْرَة ستة عشر ألف ألف، ففرق ابن زياد طائفة منها فِي بني أَبِيهِ، وحمل الباقي مَعَهُ، وَقَدْ كَانَ دعا البخارية إِلَى القتال مَعَهُ، ودعا بني زياد إِلَى ذَلِكَ فأبوا عَلَيْهِ.
حدثني عمر، قَالَ: حَدَّثَنِي زهير بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عن عَبْد اللَّهِ بن جرير المازني، قَالَ: بعث إلي شقيق بن ثور فَقَالَ لي: إنه قَدْ بلغني أن ابن منجوف هَذَا وابن مسمع يدلجان بالليل إِلَى دار