ذكر الخبر عن فراقهم ابن الزُّبَيْر والسبب الَّذِي من أجله فارقوه والذي من أجله افترقت كلمتهم:
حدثت عن هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي، عن أبي مخنف لوط بن يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو المخارق الراسبي، قَالَ: لما ركب ابن زياد من الخوارج بعد قتل أبي بلال مَا ركب، وَقَدْ كَانَ قبل ذَلِكَ لا يكف عَنْهُمْ وَلا يستبقيهم غير أنه بعد قتل أبي بلال تجرد لاستئصالهم وهلاكهم، واجتمعت الخوارج حين ثار ابن الزُّبَيْر بمكة، وسار اليه اهل الشام، فتذاكروا أتى إِلَيْهِم، فَقَالَ لَهُمْ نافع بن الأزرق: إن اللَّه قَدْ أنزل عَلَيْكُمُ الكتاب، وفرض عَلَيْكُمْ فِيهِ الجهاد، واحتج عَلَيْكُمْ بالبيان، وَقَدْ جرد فيكم السيوف أهل الظلم وأولو العدا والغشم، وهذا من قَدْ ثار بمكة، فاخرجوا بنا نأت البيت ونلق هَذَا الرجل، فإن يكن عَلَى رأينا جاهدنا مَعَهُ العدو، وإن يكن عَلَى غير رأينا دافعنا عن البيت مَا استطعنا، ونظرنا بعد ذَلِكَ فِي أمورنا فخرجوا حتى قدموا على عبد الله ابن الزبير، فسر بمقدمهم، ونبأهم أنه عَلَى رأيهم، وأعطاهم الرضا مِنْ غَيْرِ توقف وَلا تفتيش، فقاتلوا مَعَهُ حَتَّى مات يَزِيد بن مُعَاوِيَة، وانصرف أهل الشام عن مكة ثُمَّ إن القوم لقي بعضهم بعضا، فَقَالُوا: إن هَذَا الَّذِي صنعتم أمس بغير رأي وَلا صواب من الأمر، تقاتلون مع رجل لا تدرون لعله ليس عَلَى رأيكم، إنما كَانَ أمس يقاتلكم هُوَ وأبوه ينادي: يال ثأرات عُثْمَان! فأتوه وسلوه عن عُثْمَان، فإن برئ مِنْهُ كَانَ وليكم، وإن أبى كَانَ عدوكم.
فمشوا نحوه فَقَالُوا لَهُ: أيها الإنسان، إنا قَدْ قاتلنا معك، ولم نفتشك عن رأيك حَتَّى نعلم أمنا أنت أم من عدونا! خبرنا مَا مقالتك فِي عُثْمَان؟ فنظر فإذا من حوله من أَصْحَابه قليل، فَقَالَ لَهُمْ: إنكم أتيتموني فصادفتموني حين أردت القيام، ولكن روحوا إلي العشية حَتَّى أعلمكم من ذَلِكَ الَّذِي تريدون.