للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فينا ويقول: أبشروا عباد اللَّه بكرامة اللَّه ورضوانه، فحق وَاللَّهِ لمن ليس بينه وبين لقاء الأحبة ودخول الجنة والراحة من إبرام الدُّنْيَا وأذاها إلا فراق هَذِهِ النفس الأمارة بالسوء أن يكون بفراقها سخيا، وبلقاء ربه مسرورا، فمكثنا كذلك حَتَّى أصبحنا، وأصبح ابن نمير وأدهم بن محرز الباهلي فِي نحو من عشرة آلاف، فخرجوا إلينا، فاقتتلنا الْيَوْم الثالث يوم الجمعة قتالا شديدا إِلَى ارتفاع الضحى ثُمَّ إن أهل الشام كثرونا وتعطفوا علينا من كل جانب، ورأى سُلَيْمَان بن صرد مَا لقي أَصْحَابه، فنزل فنادى:

عباد اللَّه، من أراد البكور إِلَى ربه، والتوبة من ذنبه، والوفاء بعهده، فإلي، ثُمَّ كسر جفن سيفه، ونزل مَعَهُ ناس كثير، فكسروا جفون سيوفهم، ومشوا مَعَهُ، وانزوت خيلهم حَتَّى اختلطت مع الرجال، فقاتلوهم حَتَّى نزلت الرجال تشتد مصلتة بالسيوف، وَقَدْ كسروا الجفون، فحمل الفرسان عَلَى الخيل وَلا يثبتون، فقاتلوهم وقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة، وجرحوا فِيهِمْ فأكثروا الجراح فلما رَأَى الحصين بن نمير صبر القوم وبأسهم، بعث الرجال ترميهم بالنبل، واكتنفتهم الخيل والرجال، فقتل سُلَيْمَان بن صرد رحمه اللَّه، رماه يَزِيد بن الحصين بسهم فوقع، ثُمَّ وثب ثُمَّ وقع، قَالَ: فلما قتل سُلَيْمَان بن صرد أخذ الراية المسيب بن نجبة، وَقَالَ لسُلَيْمَان بن صرد: رحمك اللَّه يَا أخي! فقد صدقت ووفيت بِمَا عَلَيْك، وبقي مَا علينا، ثُمَّ أخذ الراية فشد بِهَا، فقاتل ساعة ثُمَّ رجع، ثُمَّ شد بِهَا فقاتل ثُمَّ رجع، ففعل ذَلِكَ مرارا يشد ثُمَّ يرجع، ثُمَّ قتل رحمه اللَّه.

قَالَ أَبُو مخنف: وَحَدَّثَنَا فروة بن لقيط، عن مولى للمسيب بن نجبة الفزاري، قَالَ: لقيته بالمدائن وَهُوَ مع شبيب بن يَزِيدَ الخارجي، فجرى الحديث حَتَّى ذكرنا أهل عين الوردة.

قَالَ هِشَام عن أبي مخنف، قَالَ: حَدَّثَنَا هَذَا الشيخ، عن المسيب بن نجبة، قَالَ: وَاللَّهِ مَا رأيت أشجع مِنْهُ إنسانا قط، وَلا من العصابة الَّتِي كَانَ فِيهِمْ، وَلَقَدْ رأيته يوم عين الوردة يقاتل قتالا شديدا، مَا ظننت أن

<<  <  ج: ص:  >  >>