للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل من مزينة يقال لَهُ عبيدة بن سُفْيَان، رحل مع الناس، حَتَّى إذا غفل عنه انصرف حَتَّى لقي أهل الشام، فشد بسيفه يضاربهم حَتَّى قتل.

قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي الحصين بن يَزِيدَ الأَزْدِيّ، عن حميد بن مسلم الأَزْدِيّ، قَالَ: كَانَ ذَلِكَ المزني صديقا لي، فلما ذهب لينصرف ناشدته اللَّه، فَقَالَ: أما إنك لم تكن لتسألني شَيْئًا من الدُّنْيَا إلا رأيت لك من الحق علي إيتاءكه، وهذا الَّذِي تسألني أريد اللَّه بِهِ، قَالَ: ففارقني حَتَّى لقي القوم فقتل، قال: فو الله مَا كَانَ شَيْء بأحب إلي من أن ألقى إنسانا يحدثني عنه كيف صنع حين لقي القوم! قَالَ: فلقيت عَبْد الْمَلِكِ بن جزء بن الحدرجان الأَزْدِيّ بمكة، فجرى حديث بيننا، جرى ذكر ذَلِكَ الْيَوْم، فَقَالَ: أعجب مَا رأيت يوم عين الوردة بعد هلاك القوم أن رجلا أقبل حَتَّى شد علي بسيفه، فخرجنا نحوه، قَالَ: فانتهى إِلَيْهِ وَقَدْ عقر بِهِ وَهُوَ يقول:

إني من اللَّه إِلَى اللَّهِ أفر ... رضوانك اللَّهُمَّ أبدي وأسر

قَالَ: فقلنا لَهُ: ممن أنت؟ قَالَ: من بني آدم، قَالَ: فقلنا: ممن؟

قَالَ: لا أحب أن أعرفكم وَلا أن تعرفوني يَا مخربى البيت الحرام، قال:

فتزل إِلَيْهِ سُلَيْمَان بن عَمْرو بن محصن الأَزْدِيّ من بني الخيار، قَالَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ من أشد الناس، قَالَ: فكلاهما أثخن صاحبه، قَالَ: وشد الناس عَلَيْهِ من كل جانب، فقتلوه، قال: فو الله مَا رأيت واحدا قط هُوَ أشد مِنْهُ، قَالَ: فلما ذكر لي، وكنت أحب أن أعلم علمه، دمعت عيناي، فَقَالَ:

أبينك وبينه قرابة؟ فقلت لَهُ: لا، ذَلِكَ رجل من مضر كَانَ لي ودا وأخا، فَقَالَ لي: لا أرقأ اللَّه دمعك، أتبكي عَلَى رجل من مضر قتل عَلَى ضلالة! قَالَ: قلت: لا، وَاللَّهِ مَا قتل عَلَى ضلالة، ولكنه قتل عَلَى بينة من ربه وهدى، فَقَالَ لي: أدخلك اللَّه مدخله، قلت: آمين، وأدخلك اللَّه مدخل حصين بن نمير، ثُمَّ لا ارقا الله لك عَلَيْهِ دمعا، ثُمَّ قمت وقام.

وَكَانَ مما قيل من الشعر فِي ذَلِكَ قول أعشى همدان، وَهِيَ إحدى المكتمات، كن يكتمن فِي ذَلِكَ الزمان:

<<  <  ج: ص:  >  >>