للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ينصركم الله، فضعفوا وعجزوا، فقال لهم المختار: اما انا فو الله لا أعطي بيدي ولا أحكمهم في نفسي ولما رأى عبد الله بن جعدة بن هبيرة ابن أبي وهب ما يريد المختار تدلى من القصر بحبل، فلحق بأناس من اخوانه، فاختبا عندهم ثم إن المختار أزمع بالخروج إلى القوم حين رأى من أصحابه الضعف، ورأى ما بأصحابه من الفشل، فأرسل إلى امرأته أم ثابت بنت سمرة بن جندب الفزاري، فأرسلت اليه بطيب كثير، فاغتسل ونحنط، ثم وضع ذلك الطيب على رأسه ولحيته، ثم خرج في تسعة عشر رجلا، فيهم السائب بن مالك الأشعري- وكان خليفته على الكوفة إذا خرج إلى المدائن- وكانت تحته عمرة بنت أبي موسى الأشعري، فولدت له غلاما، فسماه مُحَمَّدا، فكان مع أبيه في القصر، فلما قتل أبوه وأخذ من في القصر وجد صبيا فترك، ولما خرج المختار من القصر قال للسائب: ماذا ترى؟ قال: الرأي لك، فماذا ترى؟ قال: أنا أرى أم الله يرى! قال: الله يرى، قال: ويحك! أحمق أنت! إنما أنا رجل من العرب رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز، ورأيت نجدة انتزى على اليمامة، ومروان على الشام، فلم أكن دون أحد من رجال العرب، فأخذت هذه البلاد، فكنت كأحدهم، إلا أني قد طلبت بثأر اهل بيت النبي ص إذ نامت عنه العرب، فقتلت من شرك في دمائهم، وبالغت في ذلك إلى يومي هذا، فقاتل على حسبك إن لم تكن لك نية، فقال: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» ، وما كنت أصنع أن أقاتل على حسبي! فقال المختار عند ذلك يتمثل بقول غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي:

ولو يراني أبو غيلان إذ حسرت ... عني الهموم بأمر ما له طبق

لقال رهبا ورعبا يجمعان معا ... غنم الحياة وهول النفس والشفق

إما تسف على مجد ومكرمة ... أو أسوة لك فيمن تهلك الورق

فخرج في تسعة عشر رجلا فقال لهم: أتؤمنوني وأخرج إليكم؟ فقالوا:

لا، إلا على الحكم، فقال: لا أحكمكم في نفسي أبدا، فضارب بسيفه حتى قتل، وقد كان قال لأصحابه حين أبوا أن يتابعوه على الخروج معه:

<<  <  ج: ص:  >  >>