أن عبد الملك أرسل إلى مصعب مع أخيه مُحَمَّد بن مروان: أن ابن عمك يعطيك الأمان، فقال مصعب: إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبا أو مغلوبا.
وقال الهيثم بن عدي: حدثنا عبد الله بن عياش، عن أبيه، قال:
إنا لوقوف مع عبد الملك بن مروان وهو يحارب مصعبا إذ دنا زياد بن عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين، إن إسماعيل بن طلحة كان لي جار صدق، قلما أرادني مصعب بسوء إلا دفعه عني، فإن رأيت أن تؤمنه على جرمه! قال: هو آمن، فمضى زياد- وكان ضخما على ضخم- حتى صار بين الصفين، فصاح: أين أبو البختري إسماعيل بن طلحة؟ فخرج إليه، فقال: إني أريد أن أذكر لك شيئا، فدنا حتى اختلفت أعناق دوابهما- وكان الناس ينتطقون بالحواشي المحشوة- فوضع زياد يده في منطقة إسماعيل، ثم اقتلعه عن سرجه- وكان نحيفا- فقال: أنشدك الله يا أبا المغيرة، إن هذا ليس بالوفاء لمصعب، فقال: هذا أحب الى من أن أراك غدا مقتولا.
ولما أبى مصعب قبول الأمان نادى مُحَمَّد بن مروان عيسى بن مصعب وقال له: يا بن أخي، لا تقتل نفسك، لك الأمان، فقال له مصعب:
قد آمنك عمك فامض إليه، قال: لا تتحدث نساء قريش أني أسلمتك للقتل، قال: فتقدم بين يدي أحتسبك، فقاتل بين يديه حتى قتل، وأثخن مصعب بالرمي، ونظر إليه زائدة بن قدامة فشد عليه فطعنه، وقال: يا لثأرات المختار! فصرعه، ونزل اليه عبيد الله ابن زياد بن ظبيان، فاحتز رأسه، وقال: إنه قتل أخي النابئ بن زياد فأتي به عبد الملك بن مروان فأثابه ألف دينار، فأبى أن يأخذها، وقال: إني لم أقتله على طاعتك، إنما قتلته على وتر صنعه بي، ولا آخذ في حمل رأس مالا فتركه عند عبد الملك.
وكان الوتر الذي ذكره عبيد الله بن زياد بن ظبيان أنه قتل عليه مصعبا أن مصعبا كان ولي في بعض ولايته شرطه مطرف بن سيدان الباهلي ثم أحد بني جأوة