وذكر أن عبد الملك لما قتل مصعبا ودخل الكوفة أمر بطعام كثير فصنع، وأمر به إلى الخورنق، وأذن إذنا عاما، فدخل الناس فأخذوا مجالسهم، فدخل عمرو بن حريث المخزومي فقال: إلي وعلى سريري، فأجلسه معه، ثم قال: أي الطعام أكلت أحب إليك وأشهى عندك؟ قال:
عناق حمراء قد أجيد تمليحها، وأحكم نضجها، قال:
ما صنعت شيئا، فأين أنت من عمروس راضع قد أجيد سمطه، وأحكم نضجه، اختلجت إليك رجله، فأتبعتها يده، غذي بشريجين من لبن وسمن ثم جاءت الموائد فأكلوا، فقال عبد الملك بن مروان: ما ألذ عيشنا لو أن شيئا يدوم! ولكنا كما قال الأول:
وكل جديد يا أميم إلى بلى ... وكل امرئ يوما يصير إلى كان
فلما فرغ من الطعام طاف عبد الملك في القصر يقول لعمرو بن حريث: لمن هذا البيت؟ ومن بنى هذا البيت؟ وعمرو يخبره، فقال عبد الملك:
وكل جديد يا أميم إلى بلى ... وكل امرئ يوما يصير إلى كان
ثم أتى مجلسه فاستلقى، وقال:
اعمل على مهل فإنك ميت ... واكدح لنفسك أيها الإنسان
فكأن ما قد كان لم يك إذ مضى ... وكأن ما هو كائن قد كان
وفي هذه السنة افتتح عبد الملك- في قول الواقدي- قيساريه.