فرموه بالنبل، وتحصنا منه، فأقام ذلك اليوم عليهم، ثم شخص عنهم، فقال له أصحابه: ما دون الكوفة أحد يمنعنا، فنظر فإذا اصحابه قد جرحوا، فقال لهم: ما عليكم أكثر مما قد فعلتم، فخرج بهم على نفر، ثم على الصراة، ثم على بغداد، ثم خرج إلى خانيجار فأقام بها.
قال: ولما بلغ الحجاج أن شبيبا قد أخذ نحو نفر ظن أنه يريد المدائن- وهي باب الكوفة، ومن أخذ المدائن كان ما في يده من أرض الكوفة أكثر- فهال ذلك الحجاج، وبعث إلى عثمان بن قطن، ودعاه وسرحه إلى المدائن، وولاه منبرها والصلاة ومعونة جوخى كلها وخراج الأستان.
فخرج مسرعا حتى نزل المدائن، وعزل الحجاج عبد الله بن أبي عصيفير، وكان بها الجزل مقيما أشهرا يداوي جراحته، وكان ابن أبي عصيفير يعوده ويكرمه، فلما قدم عثمان بن قطن المدائن لم يعده، ولم يكن يتعاهده ولا يلطفه بشيء، فقال الجزل: اللهم زد ابن عصيفير جودا وكرما وفضلا، وزد عثمان بن قطن ضيقا وبخلا قال: ثم إن الحجاج دعا عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث فقال: انتخب الناس، واخرج في طلب هذا العدو، فأمره بنخبة ستة آلاف، فانتخب فرسان الناس ووجوههم، واخرج من قومه ستمائه من كندة وحضرموت، واستحثه الحجاج بالعسكر، فعسكر بدير عبد الرحمن، فلما أراد الحجاج إشخاصهم كتب إليهم:
أما بعد، فقد اعتدتم عادة الأذلاء، ووليتم الدبر يوم الزحف، وذلك دأب الكافرين، وإني قد صفحت عنكم مرة بعد مرة، ومرة بعد مرة وإني أقسم لكم بالله قسما صادقا لئن عدتم لذلك لأوقعن بكم إيقاعا أكون أشد عليكم من هذا العدو الذى تهربون منه في بطون الأودية والشعاب، وتستترون منه بأثناء الأنهار وألواذ الجبال، فخاف من له معقول على نفسه، ولم يجعل عليها سبيلا، وقد أعذر من أنذر