فقاتل في الميمنة في رجال من بني تميم وهمدان، فأحسنوا القتال، فما زالوا كذلك حتى أتوا فقيل لهم: قتل عتاب بن ورقاء، فانفضوا، ولم يزل عتاب جالسا على طنفسة في القلب وزهرة بن حوية معه، إذ غشيهم شبيب، فقال له عتاب: يا زهرة بن حوية، هذا يوم كثر فيه العدد، وقل فيه الغناء، والهفى على خمسمائة فارس من نحو رجال تميم معي من جميع الناس! ألا صابر لعدوه! ألا مؤاس بنفسه! فانفضوا عنه وتركوه، فقال له زهرة: أحسنت يا عتاب، فعلت فعل مثلك، والله والله لو منحتهم كتفك ما كان بقاؤك إلا قليلا، أبشر فإني أرجو أن يكون الله قد أهدى إلينا الشهادة عند فناء أعمارنا، فقال له: جزاك الله خيرا ما جزى آمرا بمعروف وحاثا على تقوى.
فلما دنا منه شبيب وثب في عصابة صبرت معه قليلة، وقد ذهب الناس يمينا وشمالا، فقال له عمار بن يزيد الكلبي من بني المدينة: أصلحك الله! إن عبد الرحمن بن مُحَمَّد قد هرب عنك فانصفق معه أناس كثير، فقال له: قد فر قبل اليوم، وما رأيت ذلك الفتى يبالي ما صنع، ثم قاتلهم ساعة وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط موطنا لم أبتل بمثله قط أقل مقاتلا ولا أكثر هاربا خاذلا، فرآه رجل من بني تغلب من أصحاب شبيب من بني زيد بن عمرو يقال له عامر بن عمرو بن عبد عمرو، وكان قد أصاب دما في قومه، فلحق بشبيب، وكان من الفرسان، فقال لشبيب: والله إني لأظن هذا المتكلم عتاب بن ورقاء! فحمل عليه فطعنه، فوقع فكان هو ولي قتله ووطئت الخيل زهرة بن حوية، فأخذ يذب بسيفه وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يقوم، فجاء الفضل بن عامر الشيباني فقتله، فانتهى إليه شبيب فوجده صريعا فعرفه، فقال: من قتل هذا؟
فقال الفضل: أنا قتلته، فقال شبيب: هذا زهره حوية، أما والله لئن كنت قتلت على ضلالة لرب يوم من أيام المسلمين قد حسن فيه بلاؤك، وعظم فيه غناؤك! ولرب خيل للمشركين قد هزمتها، وسرية لهم قد