وصاح الحجاج: يا أهل السمع والطاعة، هكذا فافعلوا قدم كرسي يا غلام، وأمر شبيب المحلل فحمل عليهم، ففعلوا به مثل ما فعلوا بسويد، فناداهم الحجاج: يا أهل السمع والطاعة، هكذا فافعلوا، قدم كرسي يا غلام ثم إن شبيبا حمل عليهم في كتيبته فثبتوا له، حتى إذا غشي أطراف الرماح وثبوا في وجهه، فقاتلهم طويلا ثم إن أهل الشام طعنوه قدما حتى ألحقوه بأصحابه، فلما رأى صبرهم نادى: يا سويد، احمل في خيلك على أهل هذه السكة- يعني سكة لحام جرير- لعلك تزيل أهلها عنها، فتأتي الحجاج من ورائه، ونحمل نحن عليه من أمامه فانفرد سويد بن سليم فحمل على أهل تلك السكة، فرمي من فوق البيوت وأفواه السكك، فانصرف، وقد كان الحجاج جعل عروة بن المغيرة بن شعبة في نحو من ثلاثمائة رجل من أهل الشام ردءا له ولأصحابه لئلا يؤتوا من ورائه قال أبو مخنف: فحدثني فروة بن لقيط: أن شبيبا قال لنا يومئذ: يا أهل الإسلام إنما شرينا لله، ومن شرى لله لم يكبر عليه ما أصابه من الأذى والألم في جنب الله الصبر الصبر، شدة كشداتكم في مواطنكم الكريمة.
ثم جمع أصحابه، فلما ظن الحجاج أنه حامل عليهم قال لأصحابه:
يا أهل السمع والطاعة، اصبروا لهذه الشدة الواحدة، ثم ورب السماء ما شيء دون الفتح فجثوا على الركب، وحمل عليهم شبيب بجميع أصحابه، فلما غشيهم نادى الحجاج بجماعة الناس، فوثبوا في وجهه، فما زالوا يطعنون ويضربون قدما ويدفعون شبيبا وأصحابه وهو يقاتلهم حتى بلغوا موضع بستان زائدة، فلما بلغ ذلك المكان نادى شبيب أصحابه: يا أولياء الله، الأرض الأرض، ثم نزل وأمر أصحابه فنزل نصفهم وترك نصفهم مع سويد بن سليم، وجاء الحجاج حتى انتهى إلى مسجد شبيب، ثم قال: يا أهل الشام، يا أهل السمع والطاعة، هذا