معه باب المهلب ومجلسه حتى عرف به قال: وكان بحير يخاف الفتك به، ولا يأمن أحدا، فلما قدم صعصعة بكتاب أصحابه قال: هو رجل من بكر بن وائل، فأمنه، فجاء يوما وبحير جالس في مجلس المهلب، عليه قميص ورداء ونعلان، فقعد خلفه، ثم دنا منه، فأكب عليه كأنه بكلمة، فوجأه بخنجره في خاصرته، فغيبه في جوفه، فقال الناس: خارجي!، فنادى:
يا لثأرات بكير، انا ثائر ببكير! فقال الناس: خارجي! فنادى:
يا لثأرات بكير، أنا ثائر ببكير! فأخذه أبو العجفاء بن أبي الخرقاء، وهو يومئذ على شرط المهلب، فأتى به المهلب فقال له: بؤسا لك! ما أدركت بثأرك، وقتلت نفسك، وما على بحير بأس، فقال: لقد طعنته طعنة لو قسمت بين الناس لماتوا، ولقد وجدت ريح بطنه في يدي، فحبسه فدخل عليه السجن قوم من الأبناء فقبلوا رأسه قال: ومات بحير من غد عند ارتفاع النهار، فقيل لصعصعة: مات بحير، فقال: اصنعوا بي الآن ما شئتم، وما بدا لكم، أليس قد حلت نذور نساء بني عوف، وأدركت بثأري! لا أبالي ما لقيت، أما والله لقد أمكنني ما صنعت خاليا غير مرة، فكرهت أن أقتله سرا، فقال المهلب: ما رأيت رجلا أسخى نفسا بالموت صبرا من هذا، وأمر بقتله أبا سويقة ابن عم لبحير، فقال له أنس بن طلق ويحك! قتل بحير فلا تقتلوا هذا، فأبى وقتله، فشتمه أنس.
وقال آخرون: بعث به المهلب إلى بحير قبل ان يموت، فقال له انس ابن طلق العبشمي: يا بحير، إنك قتلت بكيرا، فاستحى هذا، فقال بحير: أدنوه مني، لا والله لا أموت وأنت حي، فأدنوه منه، فوضع رأسه بين رجليه وقال: اصبر عفاق، إنه شر باق، فقال ابن طلحة لبحير:
لعنك الله! أكلمك فيه وتقتله بين يدي! فطعنه بحير بسيفه حتى قتله ومات بحير، فقال المهلب: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، غزوة أصيب فيها بحير، فغضب عوف بن كعب والأنباء وقالوا: علام قتل صاحبنا، وإنما طلب بثأره! فنازعتهم مقاعس والبطون حتى خاف الناس أن يعظم البأس، فقال أهل الحجى: احملوا دم صعصعة، واجعلوا دم بحير بواء ببكير