أما بعد فإن أهل العراق قد أقبلوا إليك وهم مثل السيل المنحدر من عل، وليس شيء يرده حتى ينتهي إلى قراره، وإن لأهل العراق شرة في أول مخرجهم وصبابة إلى أبنائهم ونسائهم، فليس شيء يردهم حتى يسقطوا إلى أهليهم، ويشموا أولادهم، ثم واقفهم عندها، فإن الله ناصرك عليهم إن شاء الله فلما قرأ كتابه قال: فعل الله.
به وفعل، لا والله ما لي نظر ولكن لابن عمه نصح لما وقع كتاب الحجاج إلى عبد الملك هاله ثم نزل عن سريره وبعث إلى خالد بن يزيد بن معاوية، ودعاه فأقرأه الكتاب، ورأى ما به من الجزع، فقال: يا أمير المؤمنين، إن كان هذا الحدث من قبل سجستان، فلا تخفه، وإن كان من قبل خراسان تخوفته قال: فخرج إلى الناس فقام فيهم فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
إن أهل العراق طال عليهم عمري فاستعجلوا قدري اللهم سلط عليهم سيوف أهل الشام حتى يبلغوا رضاك، فإذا بلغوا رضاك لم يجاوزوا إلى سخطك.
ثم نزل.
وأقام الحجاج بالبصرة وتجهز ليلقى ابن مُحَمَّد، وترك رأي المهلب وفرسان الشام يسقطون إلى الحجاج، في كل يوم مائة وخمسون وعشرة وأقل على البرد من قبل عبد الملك، وهو في كل يوم تسقط إلى عبد الملك كتبه ورسله بخبر ابن مُحَمَّد أي كورة نزل، ومن اى كوره يرتحل، وأي الناس إليه أسرع.
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي فضيل بن خديج أن مكتبه كان بكرمان، وكان بها أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة وأهل البصرة، فلما مر بهم ابن مُحَمَّد بن الأشعث، انجفلوا معه، وعزم الحجاج رأيه على استقبال ابن الأشعث، فسار بأهل الشام حتى نزل تستر، وقدم بين يديه مطهر بن حر العكي- أو الجذامي- وعبد الله بن رميثة الطائي، ومطهر على الفريقين، فجاءوا حتى انتهوا إلى دجيل، وقد قطع عبد الرحمن بن مُحَمَّد خيلا له،