وفنيت ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك؟ قَالَ: هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من هم يوسف وذكره فأوحى الله عز وجل إليه: يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي! قَالَ: يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي قَالَ: فإني قد غفرت لك، فكان بعد ذلك إذا سئل قال:«َّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ، وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
» حَدَّثَنَا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو أسامة، عن هشام عن الحسن، قَالَ: كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلى أن رجع ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه، ولم يزل يبكي حتى ذهب بصره قَالَ الحسن: والله ما على الأرض خليقة أكرم على الله من يعقوب.
ثم أمر يعقوب بنيه الذين قدموا عليه من مصر بالرجوع إليها وتحسس الخبر عن يوسف وأخيه، فقال لهم: اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله يفرج به عنا وعنكم الغم الذي نحن فيه فرجعوا إلى مصر فدخلوا على يوسف فقالوا له حين دخلوا عليه: «أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ
» وكانت بضاعتهم المزجاة التي جاءوا بها معهم- فيما ذكر- دراهم ردية زيوفا لا تؤخذ إلا بوضيعة وكان بعضهم يقول: كانت حلق الغرارة والحبل ونحو ذلك وقال بعضهم: كانت سمنا وصوفا وقال بعضهم: كانت صنوبرا وحبة الخضراء وقال بعضهم: كانت قليلة دون ما كانوا يشترون به قبل، فسألوا يوسف أن يتجاوز لهم ويوفيهم بذلك من كيل الطعام مثل الذي كان يعطيهم في المرتين قبل ذلك، ولا ينقصهم فقالوا له:«فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ»