قال: ثم ارتحل قتيبة راجعا إلى مرو، واستخلف على سمرقند عبد الله ابن مسلم، وخلف عنده جندا كثيفا، وآلة من آلة الحرب كثيرة، وقال:
لا تدعن مشركا يدخل بابا من أبواب سمرقند إلا مختوم اليد، وإن جفت الطينة قبل أن يخرج فاقتله، وإن وجدت معه حديدة، سكينا فما سواه فاقتله، وإن أغلقت الباب ليلا فوجدت فيها أحدا منهم فاقتله، فقال كعب الأشقري- ويقال رجل من جعفي:
كل يوم يحوي قتيبة نهبا ... ويزيد الأموال مالا جديدا
باهلي قد ألبس التاج حتى ... شاب منه مفارق كن سودا
دوخ السغد بالكتائب حتى ... ترك السغد بالعراء قعودا
فوليد يبكي لفقد أبيه ... وأب موجع يبكي الوليدا
كلما حل بلدة أو أتاها ... تركت خيله بها أخدودا
قال: وقال قتيبة: هذا العداء لا عداء عيرين، لأنه فتح خوارزم وسمرقند في عام واحد، وذلك أن الفارس إذا صرع في طلق واحد عيرين قيل: عادى بين عيرين ثم انصرف عن سمرقند فأقام بمرو وكان عامله على خوارزم إياس بن عبد الله بن عمرو على حربها، وكان ضعيفا وكان على خراجها عبيد الله بن أبي عبيد الله مولى بني مسلم.
قال: فاستضعف أهل خوارزم إياسا، وجمعوا له، فكتب عبيد الله إلى قتيبة، فبعث قتيبة عبد الله بن مسلم في الشتاء عاملا، وقال:
اضرب إياس بن عبد الله وحيان النبطي مائة مائة، واحلقهما، وضم إليك عبيد الله بن أبي عبيد الله، مولى بني مسلم، واسمع منه فإن له وفاء.
فمضى حتى إذا كان من خوارزم على سكة، فدس إلى إياس فأنذره فتنحى، وقدم فأخذ حيان فضربه مائة وحلقه.
قال: ثم وجه قتيبة بعد عبد الله المغيرة بن عبد الله في الجنود إلى خوارزم، فبلغهم ذلك، فلما قدم المغيرة اعتزل أبناء الذين قتلهم