فلما دخل مسلمة الكوفة شكا إليه أهلها مكان شوذب، وخوفهم منه وما قد قتل منهم، فدعا مسلمة سعيد بن عمرو الحرشي- وكان فارسا- فعقد له على عشرة آلاف، ووجهه إليه وهو مقيم بموضعه، فأتاه ما لا طاقة له به، فقال شوذب لأصحابه: من كان يريد الله فقد جاءته الشهادة، ومن كان إنما خرج للدنيا فقد ذهبت الدنيا، وإنما البقاء في الدار الآخرة، فكسروا أغماد السيوف وحملوا، فكشفوا سعيدا وأصحابه مرارا، حتى خاف الفضيحة فذمر أصحابه، وقال لهم: أمن هذه الشرذمة لا أبا لكم تفرون! يا أهل الشام يوما كأيامكم! قال: فحملوا عليهم، فطحنوهم طحنا لم يبقوا منهم أحدا، وقتلوا بسطاما وهو شوذب وفرسانه، منهم الريان بن عبد الله اليشكري، وكان من المخبتين، فقال أخوه شمر بن عبد الله يرثيه:
ولقد فجعت بسادة وفوارس ... للحرب سعر من بنى شيبان
اعتاقهم ريب الرمان فغالهم ... وتركت فردا غير ذي اخوان
كمدا تجلجل في فؤادي حسرة ... كالنار من وجد على الريان
وفوارس باعوا الإله نفوسهم ... من يشكر عند الوغى فرسان
وقال حسان بن جعدة يرثيهم:
يا عين أذري دموعا منك تسجاما ... وابكي صحابة بسطام وبسطاما
فلن تري أبدا ما عشت مثلهمُ ... أتقى وأكمل في الأحلام أحلاما