هشام بْن عبد الملك قبل أن يدخل المدينة أن اكتب لي سنن الحج، فكتبتها له، وتلقاه أبو الزناد قَالَ أبو الزناد: فإني يومئذ في الموكب خلفه، وقد لقيه سعيد بْن عبد الله بْن الوليد بْن عثمان بْن عفان، وهشام يسير، فنزل له، فسلم عليه، ثم سار إلى جنبه، فصاح هشام: أبو الزناد! فتقدمت، فسرت إلى جنبه الآخر، فأسمع سعيدا يقول: يا أمير المؤمنين، إن الله لم يزل ينعم على أهل بيت أمير المؤمنين، وينصر خليفته المظلوم، ولم يزالوا يلعنون في هذه المواطن الصالحة أبا تراب، فأمير المؤمنين ينبغي له أن يلعنه في هذه المواطن الصالحة، قَالَ: فشق على هشام، وثقل عليه كلامه، ثم قَالَ:
ما قدمنا لشتم أحد ولا للعنة، قدمنا حجاجا ثم قطع كلامه وأقبل علي فقال: يا عبد الله بْن ذكوان، فرغت مما كتبت إليك؟ فقلت: نعم، فقال أبو الزناد: وثقل على سعيد ما حضرته يتكلم به عند هشام، فرأيته منكسرا كلما رآني.
وفي هذه السنة كلم إبراهيم بْن محمد بْن طلحة هشام بْن عبد الملك- وهشام واقف قد صلى في الحجر- فقال له: أسألك بالله وبحرمة هذا البيت والبلد الذي خرجت معظما لحقه، إلا رددت علي ظلامتي! قَالَ:
أي ظلامة؟ قَالَ: داري، قَالَ: فأين كنت عن أمير المؤمنين عبد الملك؟
قَالَ: ظلمني والله، قَالَ: فعن الوليد بْن عبد الملك؟ قَالَ: ظلمني والله، قَالَ: فعن سليمان؟ قَالَ: ظلمني، قَالَ: فعن عمر بْن عبد العزيز؟ قَالَ:
يرحمه الله، ردها والله علي، قَالَ: فعن يزيد بْن عبد الملك؟ قَالَ: ظلمني والله، هو قبضها مني بعد قبضي لها، وهي في يديك قَالَ هشام: أما والله لو كان فيك ضرب لضربتك، فقال إبراهيم: في والله ضرب بالسيف والسوط.
فانصرف هشام والأبرش خلفه فقال: أبا مجاشع، كيف سمعت هذا اللسان؟
قال: ما اجود هذا اللسان! قَالَ: هذه قريش وألسنتها، ولا يزال في الناس بقايا ما رأيت مثل هذا.