وأقبل العدو، فلما كانوا بالقرب لقيهم المسلمون فقاتلوهم، فجالوا جولة، فقتل في تلك الجولة رجال من المسلمين، ثم كر المسلمون وصبروا لهم، فانهزم المشركون ومضى أشرس بالناس، حتى نزل بيكند، فقطع العدو عنهم الماء، فأقام أشرس والمسلمون في عسكرهم يومهم ذلك وليلتهم، فأصبحوا وقد نفد ماؤهم، فاحتفروا فلم ينبطوا، وعطشوا فارتحلوا إلى المدينة التي قطعوا عنهم المياه منها، وعلى مقدمة المسلمين قطن بْن قتيبة، فلقيهم العدو فقاتلوهم، فجهدوا من العطش، فمات منهم سبعمائة، وعجز الناس عن القتال، ولم يبق في صف الرباب إلا سبعة، فكاد ضرار بْن حصين يؤسر من الجهد الذي كان به، فحض الحارث بْن سريج الناس، فقال:
أيها الناس، القتل بالسيف أكرم في الدنيا وأعظم أجرا عند الله من الموت عطشا فتقدم الحارث بْن سريج وقطن بْن قتيبة وإسحاق بْن محمد، ابن أخي وكيع، في فوارس من بني تميم وقيس، فقاتلوا حتى أزالوا الترك عن الماء، فابتدره الناس فشربوا وارتووا.
قَالَ: فمر ثابت قطنة بعبد الملك بْن دثار الباهلي، فقال له: يا عبد الملك، هل لك في آثار الجهاد؟ فقال: أنظرني ريثما أغتسل وأتحنط، فوقف له حتى خرج ومضيا، فقال ثابت لأصحابه: أنا أعلم بقتال هؤلاء منكم، وحضهم، فحملوا على العدو، واشتد القتال، فقتل ثابت في عدة من المسلمين، منهم صخر بْن مسلم بْن النعمان العبدي وعبد الملك بْن دثار الباهلي والوجيه الخراساني والعقار بْن عقبة العودي فضم قطن بْن قتيبة وإسحاق بْن محمد بْن حسان خيلا من بني تميم وقيس، تبايعوا على الموت، فأقدموا على العدو، فقاتلوهم فكشفوهم، وركبهم المسلمون يقتلونهم، حتى حجزهم الليل، وتفرق العدو فأتى أشرس بخارى فحصر أهلها.
قَالَ عَلِيّ بْن مُحَمَّدٍ، عن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك: حدثني هشام بن عماره