فيما صنع، وسينظر في ذلك ويندم، إنما كان ينبغي له أن يقبض ما عرض عليه أو يحبسه فلا يدخله حصنه، فإنا إنما دخلناه بقناطر اتخذناها، ومضايق أصلحناها، وكان يمنعه أن يغير علينا رجاء الصلح، فإما إذ يئس من الصلح فإنه لا يدع الجهد فدعه الليلة في قبتي، ولا تنطلق به إلى مصعب، فإنه ساعة ينظر إليه يدخله حصنه.
قال: فأقام ابو الأسد وبدر طرخان معه في قبة سلمة، وأقبل أسد بالناس في طريق ضيق، فتقطع الجند، ومضى أسد حتى انتهى إلى نهر وقد عطش- ولم يكن أحد من خدمه- فاستسقى، وكان السغدي بْن عبد الرحمن ابو طعمه الحزمي معه شاكري له، ومع الشاكري قرن تبتي، فأخذ السغدي القرن، فجعل فيه سويقا، وصب عليه ماء من النهر، وحركه وسقى أسدا وقوما من رؤساء الجند، فنزل أسد في ظل شجرة، ودعا برجل من الحرس، فوضع رأسه في فخذه، وجاء المجشر بْن مزاحم السلمي يقود فرسه حتى قعد تجاهه حيث ينظر أسدا، فقال أسد: كيف أنت يا أبا العدبس؟ قَالَ:
كنت أمس أحسن حالا مني اليوم، قَالَ: وكيف ذاك؟ قَالَ: كان بدر طرخان في أيدينا وعرض ما عرض، فلا الأمير قبل منه ما عرض عليه ولا هو شد يده عليه، لكنه خلى سبيله، وأمر بإدخاله حصنه لما عنده- زعم- من الوفاء فندم أسد عند ذلك، ودعا بدليل من أهل الختل ورجل من أهل الشام نافذ، فاره الفرس فأتى بهما، فقال للشامي: إن أنت أدركت بدرطرخان قبل أن يدخل حصنه فلك ألف درهم، فتوجها حتى انتهيا إلى عسكر مصعب، فنادى الشامي: ما فعل العلج؟ قيل: عند سلمة، وانصرف الدليل إلى أسد بالخبر، واقام الشامي مع بدرطرخان في قبة سلمه، وبعث اسد الى بدر طرخان فحوله اليه فشتمه، فعرف بدر طرخان أنه قد نقض عهده، فرفع حصاة فرمى بها إلى السماء، وقال: هذا عهد الله، وأخذ أخرى فرمى بها إلى السماء، وقال:
هذا عهد محمد ص، وأخذ يصنع كذلك بعهد أمير المؤمنين وعهد المسلمين، فأمر أسد بقطع يده، وقال أسد: من هاهنا من أولياء