للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَزِنَتْ مِنْ شَأْنِهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا: «أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَهُوَ النِّيلُ، وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» فَلَمَّا وَضَعَتْهُ أَرْضَعَتْهُ، ثُمَّ دَعَتْ لَهُ نَجَّارًا فَجَعَلَ لَهُ تَابُوتًا، وَجَعَلَ مِفْتَاحَ التَّابُوتِ مِنْ دَاخِلٍ، وَجَعَلَتْهُ فِيهِ وَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ، «وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ» تَعْنِي قُصِّي أَثَرَهُ «فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» ، أَنَّهَا أُخْتُهُ فَأَقْبَلَ الْمَوْجُ بِالتَّابُوتِ يَرْفَعُهُ مَرَّةً، وَيَخْفِضُهُ أُخْرَى، حَتَّى أَدْخَلَهُ بَيْنَ أَشْجَارٍ عِنْدَ بَيْتِ فِرْعَوْنَ، فَخَرَجَ جَوَارِي آسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ يغتسلن، فوجدن التابوت فادخلنه الى آسيه، وظننن أَنَّ فِيهِ مَالا، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ آسِيَةُ وَقَعَتْ عَلَيْهِ رَحْمَتُهَا وَأَحَبَّتْهُ فَلَمَّا أَخْبَرَتْ بِهِ فِرْعَوْنَ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهُ، فَلَمْ تَزَلْ آسِيَةُ تُكَلِّمُهُ حَتَّى تَرَكَهُ لَهَا، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي عَلَى يَدَيْهِ هَلاكُنَا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: «فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً» فَأَرَادُوا لَهُ الْمُرْضِعَاتِ، فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَجَعَلَ النِّسَاءُ يَطْلُبْنَ ذَلِكَ لِيَنْزِلْنَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي الرَّضَاعِ، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: «وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ» أُخْتُهُ «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ» ، فَأَخَذُوهَا، وَقَالُوا: إِنَّكِ قَدْ عَرَفْتِ هَذَا الْغُلامَ فَدُلِّينَا عَلَى أَهْلِهِ فَقَالَتْ:

مَا أَعْرِفُهُ، وَلَكِنِّي إِنَّمَا قُلْتُ: هُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ.

وَلَمَّا جَاءَتْ أُمُّهُ أَخَذَ مِنْهَا ثَدْيَهَا فَكَادَتْ أَنْ تَقُولَ: هُوَ ابْنِي! فَعَصَمَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>