فلما دخلت على زيد بْن علي فسلمت عليه ظن أنها شابة، فكلمته فإذا أفصح الناس لسانا، وأجمله منظرا، فسألها عن نسبها فانتسبت له، وأخبرته ممن هي، فقال لها: هل لك رحمك الله أن تتزوجيني؟ قالت: أنت والله- رحمك الله- رغبة لو كان من أمري التزويج، قَالَ لها: وما الذي يمنعك؟
قالت: يمنعني من ذلك أني قد أسننت، فقال لها: كلا قد رضيت، ما أبعدك من أن تكوني قد أسننت! قالت: رحمك الله، أنا أعلم بنفسي منك، وبما أتى علي من الدهر، ولو كنت متزوجة يوما من الدهر لما عدلت بك، ولكن لي ابنة أبوها ابن عمي، وهي أجمل مني، وانا أزوجكها ان احببت، قال: رضيت أن تكون مثلك، قالت له: لكن خالقها ومصورها لم يرض أن يجعلها مثلي، حتى جعلها أبيض وأوسم وأجسم، وأحسن مني دلا وشكلا فضحك زيد، وقال لها: قد رزقت فصاحة ومنطقا حسنا، فأين فصاحتها من فصاحتك؟ قالت: أما هذا فلا علم لي به، لأني نشأت بالحجاز، ونشأت ابنتي بالكوفة، فلا أدري لعل ابنتي قد أخذت لغة أهلها فقال زيد: ليس ذلك بأكره إلي، ثم واعدها موعدا فأتاها فتزوجها، ثم بنى بها فولدت له جارية ثم أنها ماتت بعد، وكان بها معجبا.
قَالَ: وكان زيد بْن علي ينزل بالكوفة منازل شتى، في دار امرأته في الأزد مرة، ومرة في أصهاره السلميين، ومرة عند نصر بْن خزيمة في بني عبس، ومرة في بني غبر ثم إنه تحول من بني غبر إلى دار معاويه ابن إسحاق بْن زيد بْن حارثة الأنصاري في أقصى جبانة سالم السلولي، وفي بني نهد وبني تغلب عند مسجد بني هلال بْن عامر، فأقام يبايع أصحابه، وكانت بيعته التي يبايع عليها الناس: إنا ندعوكم إِلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء، ورد الظالمين، وإقفال المجمر ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا وجهل حقنا، أتبايعون على ذلك؟